وكانت "حـَبـّوبَـه عَطـَانـَا" - 1
امـرأة ٌ كالزَّانـَة ِ
سـَوداءُ البشـْرة ِ
بيضاءُ القلـب ِ كبـطيــخ ِ الرَّمْـل -
ككل ِّ عجـَائـز ِ قــَريتـنــا ،
تشرب ُ قهوتــَها بين الجـَارات ْ
ورنيـن ِ "الوَدْعـَات ْ" ..! 2
وتغنـِّي وصـديقتـُها "أمـُّونـَة" ،
أغنية ً خضـراءََ ومحـزونـَة
عن رجـل ٍ "أخـْدَر َ" يمشـي في الليـل 3
كخيـال ٍ آبـق َ، عريـَانا ً، يمشـي في الليـل
والشـك ُ القارص ُ يصـرَعـُه ُ وهديـر ُ السيـَل ،
يسقي عطش الرمـْـل المسـْكـون ..!
فالرجل ُ الضـائـع ُ بيـن الغـابـة ِ والصحـْراء ِ قــُرُون ،
عـُجنـَت ْ طيـنـتــُه ُ - دون َ الخـَلـق ِ -
بـِرِيــِق ِ القــَلـق ِ المحـْزون ..!
* * *
كانت ْ "حَبـّوبـَه عَطـَانـَا" 1
تهـوى الأطفـال ...
ككل ِّ عجائـز قريتـنا - كل َّ الأطفـَال
وتداعب ُ "وَجـَنـَات ِ" الأطفـَال 4
بأصـابـع َ بيضـاء َ ومعـْروقــَة ..!
و"تحجـِّيــِّنـَا" بالغـول ِ وفـَاطمـَة ِ السمـْحـَة 5
وتماسيـح ِ النـَّهـْر ِ وأرواح ِ الأسـْلاف ..!
* * *
وجلسنـا بيـن يـَديها - أذكـُر ُ -
حبات ٍ من "سـُكـْسـُك ْ" ، 6
نـُظمت ْ في صـَدر ِ عـَرُوس
ورد ٌ أقمـار ٌ وشـُمـُوس
وكنـت ُ هنـاك ...
والقمر ُ حليـب ٌ في الفـَلـوات
الغابـة ُ بـُركـَان
الفيـل ُ الآبـق ُ شيـْطـَان
فرسـان ُ الرَّمْـل ِ المَوتــُورة ،
تستــَعـدي الله َ على غابتـنـَا المَمـْطـورة ..!
غرست ْ عـُكازتـهَا في الرَّمْـل ِ ،
وقالت ْ : يـَا أولاد ...
في ذاك اليـَوم ،
كان َ حصـَان ٌ أسمَـر
قد هبـَط إلى قريتـنــَا
جاء من الدرب ِ الأخضَر
فتيـا ً ونشيطا ً
جاء ليشرب َ في النـَّهـْر ..!
وصَهـَل بصـوت ٍ قدسي ٍ مـوزون
لحن ٌ من روح ٍ محزون
غار ٌ وحمـَامة
بيـت ٌ واهـ ٍ قـد نـُسـِج َ أمـَامـه ..!
فـدقــَّت كـُل ُّ طبـول ِ الغـَابـَة ِ
كـُل ُّ طيور ِ الغـَابـة ِ
كـُل ُّ طيوب ِ الغـَابـة ِ
كـُل ُّ أُسـُود ِ الغـَابـة ِ
كـُل ُّ زراف ِ الغابة ِ
كـُل ُّ الغـَابـَة ِ
كـُل ُّ "الطيـْبـيـن " ،
خرجوا للضـيـْف ..!
جاءوا كالنسمـة ِ في الصيـَف ..!
غنــُّوا ... رقصـُوا
ركعـُوا ... سجـَدوا
لثـغوا بالرُّمـْح ِ ، وبـالسـَيـف ..!
ذبحوا نوقا ً ،
حلبـُوا بقـَرة
شـَدُّوا غيمَـا ً صَنـَعوا مطـَرا 7
سمقت ْ شجـَرة
وفاض َ النيـل ُ يـُعـَمـِّد ُ هاتيـك الثمـَرَة ..!
غـَنــَّوا ... غـنــَّوا كخيـال ٍ نشـْوان
كانـوا إنسـان ..!
سـَكـروا حتى الفجـْر ِ
و"مـَريسـَة ُ" جدتنـا ملأت ْ "بـُرمـَة" 8
والطبـْـل يـَؤز :
الله ُ... الله ُ... الله ْ..!
والغابة ُ ترقص ُ، أسمـع ُ وقـْع َ الخـَطـْو ِ النشـْوان
الضـَّب ُ ... الضـَّب ْ
الضـَّب ُ خـَصيـم ُ الرَّب
الرَّب ْ فـي الشـَّق ْ
والسِحليـَّة ،
بكذبتها البيضـَاء الثــَوريـِّة
أحلى أنثـى - كانت - في ذاكـرتي ، حـُوريـَّة
والضـَّب ُ خـَصيـم ُ الرَّب ..! 9
* * *
الغابـة ُ بـُركـَان
الفيـل ُ الآبـق ُ شيطـَان
فرسـان ُ الرمْـل ِ الموتـورة ،
تستعدي الله َ على غابتنـا الممطـُورة ..!
"حـَبـّوبـة عطانا" 1
امرأة ٌ كالزانة ..!
ونحن نهرول خلف خيال ٍ مسحـور ،
من غابتـنـا ، من صَحـرَاء "العتمـور" ..!
ضمت ْ ساقيـَها لتقـول :
الأرض ُ ... الأرض
الأرض ُ لكل ِّ عصافير ِ الأرض
* * *
وسهرنا يوما ً كعصـَافير ٍ حاصَرَها اليـُـتـْم
من غير ضجيج ٍ رحلت ْ كالنسـْم ..!
رحلت ْ في الليل ،
فكل ّ البسطـاء ِ اذا رحـَلوا، اختـاروا الليـل ..!
رحلت ْ كالعـطـْر ...
كرحيل ِ بويضات ِ امرأة ٍ بـكـْر ..!
واظـل َّ القبرَ المحزون َ حمـَامة
زيتون ٌ أخضرُ وغمـامـَة
قمر ٌ مشروخ ٌ يهـذي :
الأرضُ ... الأرض
الأرض ُ لكـل عصَافيـر ِ الأرض
خيل ٍ وزراف ٍ ونعـام ..!
أم جـر - مارس 1997م
1/ حبوبة عطانا : الحبوبة وتنطق التاء المربوطة هاءً تعني في السودان الجـَدَّة. و"عطانا" اسم امرأة وتعني العطاء الخاص بنا. ومثله "فضله واسع" و"العطا منه" وتنطق الهاء واوا ً والمقصود الله و"الخالق رازق" و"صافيات" و"ضو نفره" وتنطق الهاء واواً...إلخ وهي اسماء نسائية سادت في مطلع القرن الماضي في وسط السودان. وكذلك من الرجال: "عبد التام" و"عجب سيده" وتنطق الهاء واوا ً. هذه الاسماء لمواطنين سودانيين نتجوا من تزاوج العرب السمر مع نساء أفريقيات سود. وغالبا ً لم يكن يعترف بهن/ بهم في ذلك الزمان ويسمون بهذه الأسماء. هؤلاء النساء والرجال هن / هم جدات / جدود غالبية مواطني وسط السودان الحاليين.
2/ الودعات ومفردها وَدْعَة : هي سبع صدفات بيضاء ترمى على الأرض بطريقة مخصوصة لمعرفة الحظ واستكشاف المستقبل ومن تقوم بهذا تسمى الوداعية أو ست الودع حيث تتحلق النساء حولها لمعرفة ما ستأتي به الأيام القادمة.
3/ أخـدر : وتعني أخضر. ولكن ليس الإخضرار المعروف في العربية. فهذه الكلمة تستعمل في السودان لوصف لون الأشخاص. فيقال أن فلان لونه أخدر. وهو اللون الناتج عن تزاوج العرب السمر مع الأفارقة السود. فإما أن يكون لون الشخص أسمر أو أخضر أو أسود.
4/ وجنات ومفردها وجنة وهي الخـد.
5/ تحجينا : الحجاوي في السودان هي القصص التي ترويها الجدات للأطفال في المساء. وقصة فاطمة السمحة والغول "ذلك المخلوق الخرافي" من أشهر الحجاوي في السودان وهي ضاربة في القدم وتحكى للأطفال حتى يومنا هذا.
6/ السكسك هو الخرز الأفريقي الملون وتستعمله النساء للزينة عقودا ً وأساور ..إلخ.
7/ بعض قبائل السودان لديها زعيما ً روحيا ًيطلق عليه اسم الكجور ووظيفته تشبه وظيفة الشيخ لدى المسلمين المتصوفة. يعالج المرضى ويقضي الحاجات ولا يتم أي تصرف في القبيلة إلا باستشارته. أكبر وظيفة للكجور هي إنزال الأمطار حيث يقوم بالخروج إلى الخلاء في سنين القحط فيستقبل بوجهه السماء ويردد بعض التعاويذ وهو يجذب برمحه السحاب من هنا وهناك إلى أن يجمعه في المنطقة المقصودة ثم تهطل الأمطار.
8/ المريسة شراب سوداني يصنع بتخمير الذرة دون تقطيرها وشرب الكثير منه يؤدي إلى السكر. والبرمة هي قـلة الفخار الصغيرة. يقول شاعرنا الكبير محمد المهدي المجذوب "1918-1982م" : "مريستنا ملأت ْ برمة ً ... على وجهها يستدير ُ القمر".
9/ من القصص الشعبي السوداني أن الضب حاول أن يدل كفار قريش على الرسول الكريم "محمد" عليه الصلاة والسلام حينما كان يختبئ في الغار مع صاحبه "الصديق" وهو مهاجر ٌ من "مكة" إلى "المدينة" وكان يردد مترنما ً : "الرب في الشق" والشق هو الغار ولكن السحلية كذبت على أولئك الكفار وانكرت وجود النبي وصاحبه في الغار. ولذا فإن الأطفال السودانيين غالبا ً ما يبحثون عن الضب لقتله بينما يكرمون السحلية لموقفها الكريم ذاك من النبي وصاحبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق