التسميات

الخميس، 5 أبريل 2012

الكابـوس

1

رحماك ... أيها الضيف الثقيل ..!
اتركني ... ارحلْ عني ..!
وهبتك جناحين لترحل
يا هذا الشبح الأصفر ..!
يا هذا الصابغ عين مساماتي
أوتاري ... كلماتي ... راياتي
اعتقني ..!
دعني أتغنى
أسير على الإسفلت أصفِّر لحنا -
ويداي تدفِّيء جيبيَّ المقرورين - فقيراً وسعيدا
أنثرُ لفتاتي حزمة وعـدٍ
أو أهدي عينيها قصيدة
عن حلمٍ - ما زال برحم الآتي - نطفة
عن طفلٍ ملتهب العينين ومدمى الشفة
قد "طَالَعَ" 1 أطفال الجارات "بِطَرَفِ الحِلةِ" 2 واحتل الضفة
وتشيطن يوماً "خَتَّ السَّفَّة"3
فأؤنبه كأبي أنبني من قبل ..!

2

من أي سماءٍ يا هذا الضيف سريتْ وهدمتَ سمائي ؟!
بل أي بحارٍ يا هذا الطيف طويتْ و"لهفتَ" 4 ضيائي ؟!
ارحلْ عني ... اهجرْ دنَّي ... إني أرجوك ..!
اتركني لأدخن أحلامي بهدوءْ
أقبض من سلة أيامي حفنة وهم ٍ برَّاق
وأعارك صحبي في "الأندايةِ" 5 من غير شقاق
تحمرُّ عيوني مثل الشَّطَّةِ 6 وتغور الأحداق
يتسلَّخ جلدي حين "أَبَاطِنْهم" 7 وتسيخ الساق
"فأَخَيِّتْ" 8 عند العتمة شارع حلتنا 
مزهواً "لغلاغ" 9
ارحلْ عني ... رحماك ... يا هذا الضيف ..!
                               يوليو 1996 الخرطوم.
هوامش:
1/ طَالَعَ : فعل ماضي من العربية السودانية ويعني خرج مع خصمه للمبارزة بعيداً عن العمران. ودائماً ما يستعملها الأطفال حين يتخاصمون فيدعو أحدهم الآخر للمبارزة بقوله "لو راجل طالعني وراء الحلة".
2/  طَرَف الحِلَّة : تعبير من العربية السودانية يعني خارج العمران.
3/ خَتَّ السَّفَّة : تعبير من العربية السودانية بعني وضع التنباك تحت شفته السفلى. والتنباك أو السعوط نبات محلي مخدِّر يستعمله جلَّ السودانيين وهو مما عابه عليهم الأديب الطيب صالح - رحمه الله - في أحد مقالاته.
4/ لَهَفَ : فعل ماضي من العربية السودانية يدل على الأنانية ويعني أن الآخر أخذ شيئاً يخصك دون وجه حق وبطريقةٍ سريعةٍ وماكرة مع علمه المسبق بحاجتك الماسة إليه.
5/ الأنداية : أو اللنداية : كلمة من العربية السودانية تعني مكان صناعة الخمور البلدية وعرضها وشربها. وتقابل الحانة في العربية الفصحى.
6/ الشَّطَّة : اسم نبات عطري أحمر اللون وحار جداً. يستعمل كبهار. وربما كانت عربية فلقد استعملها الأديب الطيب صالح هكذا. يطلق عليه عرب اليوم اسم الفلفل الحار.
7/ أَبَاطِن : فعل مضارع من العربية السودانية يعني الضرب المتبادل بالسوط على الظهر. وهي عادة سودانية قديمة تكاد تندثر الآن. وهي أن يدعو الرجل صديقه  للبطان وهو التباري في تحمل الضرب بالسوط على الظهر. وكانت دائماً ما تحدث في الأفراح بين قرع الطبول وزغاريد الحسان.
8/ أَخَيِّت : "أخيِّط" فعل مضارع من العربية السودانية ويعني المشي غير المنتظم مثل ماكنة الخياطة. أو المشي على شكل الرقمين الهنديين  سبعة وثمانية. ودائماً ما يستعمل هذا التعبير للدلالة على حالة السكر الشديد فيقال أن فلان يخيت في الشارع.
9/ لغلاغ : تعبير سوداني من اللغلغة وهي الكلام الكثير غير المفيد مع ثقل في اللسان لسكرٍ أو غيره.

الأربعاء، 4 أبريل 2012

في محراب النيـل

1

المجد لك ..!
يا سيدي ،
يا أيها المغروس في دمنا نواةً ،
يا شعاعاً في جذور الروح ،
في إدراك ذاكرة الكبار القادمين ..!
المجد لك ..!
يا أول الآتين طوداً ،
من مناخ العتمة الممشوق فجراً ،
عند خاطرة السنين ..!
المجد لك ..!
سراً بقلب الدهر تحمله النجيمات الشواهد ،
نسمةً ذهبية الأطراف ، عذراء الجبين ..!
المجد لك ..!
لعروسك المخضرة الأطيار تعرج نحو عرشك
في براقٍ من سموق النفس
من دفء الهديل، الاصطفاء الحق والكأس المكين ..!
لتشفَّ ،
تمتزج البكارة في بكارة قدسك الأزلي
تطفح لجة الغيبوبة الكبرى فتورق تستكين ..!
المجد لك ..!
لجموع من وقفوا على باب الخلود تضرعاً
غسلوا دماملهم هناك بنفحة السر الثخين ..!
وتدافعوا للحَب يُنثر من جيوبك أنجماً
حملوا مناقير الهزال، أتوا إليك
ليمسحوا الآلام بالجذع العظيم ..!
المجد لك ..!
وأنت تبسط ساعديك فتنجلي حجبٌ
تدثِّر آهةً تحبو على ألق اليقين ..!
المجد لك ..!
المجد للمدن العناقيد التي نامت مدلاةً بخيط منك في عين الشريعة
والحقيقة مَهْمَهٌ يعشي عقول السالكين ..!
المجد لك ..!

2

آتٍ إليك مصفَّداً بك -
إن عين العشق تبصر ما وراء بصيرتي -
خبباً ... خبب ..!
هب لي رياحاً من رياحك
قطرةً من نبل قطرات تنوء بخمرة الوصل
المنمرق عند مرساة اللهب ..!
فطبول عشقك داخلي ترفضُّ
تزأر بالهيام سكينةٌ
ومدارك التلويح تفرغني شراراً
ارتمي شيئاً وينتفش الزغب ..!
المجد لك ..!
متمدداً تحنو على ضعف القطار
عيونك الفرشاة قد صبغت خدود الأرضِ
أغنيةٌ على إيقاعها سكن التعب ..!
المجد لك ..!

3

وصحوتُ يوماً في حضور العشقِ
فالخطوات ولجت عقم نافذتي
لتحمل جبتي دفء البشارة ..!
كان النسيم الخصب مجمرةً
وبوح العود مشكاةً على درب الجسارة ..!
وتوهجت صور الستور بقبلتي ،
وتأرجحت سوق الغمام بحضرتي ،
وارتشفت الآذان مدلول الإشارة ..!
كانت الإقمار تخبو عند نافذتي ،
وتحبو صوب حنجرتي سرابيل الإمارة ..!
أنا لم أصدِّق إنما دفء المواجع في الدواخل قبةٌ
وأمام عرشك كانت الأرواح تشدو كالظلال المستثارة ..! 
المجد لك ..!

4

ووقفتُ خلف الحاجب النوري محروماً
تقيدني خطوط الآدمي وجيفة النفس الكليمة ..!
كانت على عينيَّ بعضٌ من غشاواتٍ قديمة ..!
رأيت منك مداركي ،
مقدار ما وصلت إليه سكينتي ،
من فوق هذي الدرجة المعصوبة العينين ، غبراء الشكيمة ..!
يا أيها الرمح الوريف ..!
يا طويلاً مثل سيف ..!
يا مبهراً كالذروة الأولى من الشبق الأليم ..!
يا آسراً كظلال نغم شاردٍ يعدو على الأزل القديم ..!
هب لي من الأنغام لوناً يصبغ الإنسان في نفسي ،
ويرفعني على جدث الأديم ..!
المجد لك ..!

5

ألقيتُ رأسي، جبتي وتهالكي 
في داخل الروح العظيمة
وأخذتُ أضرب في الستور واستغيث
"أكُرُّ" أرغي ، استغيث
لغةٌ كغير لغات أهل الأرض في غير المكان 
كان الهيام يؤز خاصرتي ويفتضُّ الزمان
كنت مطروقاً بلمسات الشراب
يرنو إليَّ الوصل يسكنني ويعدو كالسراب
لا زلت مغترباً يقيدني حجاب
خذيني لديك ..!
شيئاً صغيراً منك ، فيك ، على يديك ..!
يا أيها النيل العظيم
دعني أنام على ضفائرك الطويلة
فمياهك القدسية الدفء تهدهدني
وتنفذ في مساماتي النحيلة
لأعود روحاً
أرتمي حجراً ، شعاعاً عند حضرتك الظليلة
أسير أرعد مثل ثورٍ هائجٍ
وأطير أبرق كابتسامة طفلةٍ تعدو كحيلة
أعود من نفسي ترافقني النجيمات الصقيلة
فمياهك العذراء تحقنني بإكسير السموق
أغوص أبحث فيك عنك وعن أصابعك النبيلة
حائراً أبداً أمام جلالك الأبدي
مبهوراً بقامتك الجليلة ..!
المجد لك..!
                      أبريل 1997م أم جر- بحر أبيض.  

الثلاثاء، 3 أبريل 2012

الباشا في شنـدي

قراءة في دفاتر الغزو التركي المصري للسودان 1820م
إضاءة 1
(وما ظهر في السلاطين السابقين من العثماني من يرسل التجريدة على بلاد المسلمين إلا أنتم في زمن  محمد علي.....  إن جيت بلدنا أنت صائل وظالم ونحن مظلومين. إن متنا في دارنا متنا مظلومين وشهداء بين يدي الله).
من رسالة المقدوم :مسلَّم 2 إلى الدفتردار  3

إضاءة 2

(لا يغرنـَّـك انتصارك َ على الجعلييـن والشايقـيـَّة
فنحن الملوك ُ وهـم الرعيَّة
أما بلغك أن "سنار َ" 6 محروسة ٌ محمـيـَّـة ؟!!!!!
بصوارم وقـواطع هنـديـَّة ..!
وخيول ٍ جـُرَّد ٍ أدهـميـَّة ...!
ورجال ٍ صابريـن َ على القـتال بـُـكـرة ً وعـشـيـَّة .!).
من رسالة محمد ود عدلان 4 إلى إسماعيل  5

النَّـص

1

براقـُـك النَّجيبُ يا حبيب ُ سـَابحـَا ً
عَلَـتـْه ُ بومـة ٌ ومـاردٌ كئـيـب ..!
وثوبـُـك َ القـشيـب ُ يـا حبيـب ُ،
ثوبـُـكَ القـشـيـب،
يسيـر ُ كالخيـال ِ، 
سـادراً على الجبال ِ،
فوقـه يطل ُ وجـه ُ ذيـب ..!
عيناك نيزكان ِأحمران فـي مفـازة ِ المغيـب
وكنت َ أنت ليس أنت، لـم تكـن ،
وكنت َ أنت يا حبيـب ..!
وكان صوتــُـكَ الرَّطيـب ،
نعـم - ولسـت ُ واهـما ً -
سمعـت ُ صوتـك َ الرَّطيـب َ، صوتـك َ الغريـب،
يـؤز ُ خلـف نابـك الرَّهـيب ..!
وكنت َ أنت ليس أنت، لم تكـن ،
وكنت َ أنت يا حبيب ..!
وكان وجهـُـك َ المريـب ُ، وجهـُـك َ العجيـب،
مـن فـوق جيفـة ٍ يظـلـُّه اللهيـب ..!
وكنت َ أنت ليس أنت، لم تكـن،
وكنت َ أنت يا حبيـب ..!

2

عينا حبيبتي، حين ترنو، لـُجـَّـتان
خدا حبيبتي وردتان
شفتان من عَطِر الأزاهر ضمتان
والشـَعـر ُ - منسـدلاً- يغطي صدرها العاجي،
أحيانا ً تطـل ُّ حمـامتـان
وسريرها من صندل ٍ، سهـرتْ بجنـبه فلــَّـتان ..!
حببتي بين البنات ِ الزاهرات ِ كمـا البـروج،
كالوردة ِ البيضاء ِ فـي وسط المروج ..!
نامـت ْ على مهـدِ الغـيـوم ِ
ودفءِ زقزقة ِ النــُّجوم ِ
ولون ِ أشرعـة ِ المطـر ،
كيمامة ٍ ، 
نامـتْ على شط ِّ النــَّهـَر ،
أيا بنات النيل ِ لا توقـظنها، 
فالحلم ُ عانقـها وقـد رق َّ السـَّحـَر ،
بالله أطردن الثعالب َ ثـم قبـِّـلـن القـمـر ..!
حبيبتي طفل ٌ بـرئ ،
وغناؤ ُها مزمـار ُ "داؤود" النـبي
استيقظـتْ ، 
قامـتْ مـن النــَّوم الهـنئ ،
وكأنما خرجت بذاك الحين من رحم ٍ وضيء ..!
سارت إلى الأنسام مترعة ُ الدنان ،
في موكب ٍ من حولها ، في مهرجان
سارت ْ عليها غـلالتـان
تتوهـج ُ الأنـوار ُ خلفـهما وتـومض ُ  درتان
وقف َ الزمـان ُ تأدبـا ً وانـدس َّ فـي صمـت ِ المكـان ..!
فتحـت ْ ذراعيـها لصـدر ِ الجـدول ِ المحزون ِ واحتـدم َ الغـديـر
هـا عانقت ْ أمواجــُـه ُ شـط َّ الحـَريـر
هـا مـازجـت ْ أنفاسـُه ُ دفءَ العبيـر
صـه ْ يـَا بنات النيـل ِ ،
لا تخدشـْن خـد َّ العطـر ِ والهـمـس المنيـر،
واطـردن ْ كـل ثعالـب َ الفلـوات ِ ، أحـرسـن ْ السـريـر ..!
حبيبتي بين البنات ِ الراجعات ِ مـن الحقـول ،
كالنخـلة ِ السمـراء ِ سـارت بيـن ريحـان الســّهول ..!
خـرجت ْ ليشـتعل َ الفـضـَاء
سـارت ْ وعيـن ُ الشـمـس ِ تحسـُدهـَا ،
تغـض ُّ الطـرف فـي معـراج ِ موكـبها ، حـيـاء
وتدافع الأطفال ُ يخـتطفـون حلـوتها وقـبلات ِ المسـَاء ..!
حبيبتي بين البنات ِ سمـرن ْ فـي مـوج ِ الدعـاش ،
حورية ٌ جلسـت ْ يحيـط ُ بـها الفـراش ..!
نامـت ْ على مهـد الغـيوم  ِ ،
ودفء ِ زقـزقـة ِ النجـوم  ِ ،
ولـون ِ أشـرعة ِ المطـر ،
كيمـامـة ٍ، نامـت ْ على شـط ِّ النــَّـهـَر،
أيا بنات النيل لا توقظنها، 
فالحلم ُ عانـقها وقـد رق َّ السـَّحـَر ،
بالله أطردن الثعـالـب ثـم قـبــِّـلن القـمـر ..!

3

وعرفتــُـك - كنـت ُ صبـيـا ً مقـرورا ً،
قـد عشـت ُ يتـيـم َ الأبويـن ِ
أمشـي مـُرتعـش َ السـاقـيـن ِ
أرنـو مهتـز َ العيـنيـن ِ
وأنـا مثقـوب َ الأذنيـن ِ
نسبي من أم سـَوداء
أمي جارية ٌ سـَوداء
وأبـي عربي ٌ جـوَّال ٌ لفـحـتــْه ُ ريـح ُ الصـَّحـراء
أورثـني نجـما ً وسمـاء
وعصـاة ً فـي طـول ِ خيـَالـي ، 
وخيـالا ً عـَطـِرا ً وضـَّـاء
قد عشـت ُ سنيـنا ً خـرسـَاء
أرعـى أغـنـام َ النــُّـبلاء
أفرح ُ إن فـرح َ النــُّـبلاء
يحزنـني حـزن ُ النــُّـبلاء
شيـئا ً - قـد كنـت ْ...
شـيءٌ فـي زخـم ِ الأشـيـاء ..!
وعرفـتــُـك ِ -
حيـن شقـقـت ِ الصـَّـدر َ ، 
غسـلت ِ القـلـب َ بعـطـر ِ زُكـَاء
وضممـت ِ الروح َ فكان ضيـاء ..!
-  إقــرأ ...!
وقـرأت ُ بكـل ِ لغـات ِ الأرض ِ، 
لكـل ِ الأرض ِ ، لكـل ِ الأحيــَاء :
-  وطـني ، شعـبي ، وطـني ...!
وخرجـت ُ أبـشــِّـر فـي الأسـواق
كسـرت ُ الصـمت َ وقـوقـعـتي ، 
وخرجـت ُ أبشــِّـر فـي الأسـواق :
- وطـني ، شعـبي ، وطـني .!
يحصبـني صبـية ُ "مـكـَّـة َ"،
يلعـنـني كـل ُّ السفـهاء
قالـوا : مسحـور ٌ، بـل ْ سـَاحـر
قالـوا : شـَاعــر
قالـوا : مجنون ٌ فـي الشـعـراء
قالـوا : مغمور ٌ، يتـبـعـه ُ عبـد ٌ وإمـَاء
قالـوا : ...................
قالـوا : ....................................
-         أحـد ٌ .... أحـد ْ ..!
سريـت ُ وعيـنـاك ِ بــُـراقـي
سمـوت ُ إلـى ملـهَى عشــَّـاقـي
صليـت ُ بكـل رفـاقـي
كـل الرسـل ِ المنبوذيـن َ جهيـر ُ الصـوت
ودعوتــُـك ِ، أن كوني معـنـَا
فـي رحلتـنا، في هجـرتـنا، 
فـي معـراجي نحـو الملكـوت
كوني معـنا ..!
ترنيمة َ عشق ٍ ضد المـَوت ...!

4

اختارتْ لون َ الظـل ِ العـَالي حقـلا ً
ووشاحا ً صوفـيـا ً رعـدا ً 
لتـرش َّ القـمـر َ بـروح ِ الـورد،
تسـرج ُ مـزن َ الضحكـة ِ، قـيثـار َ السـعـد،
تأتي مـن عمـق ِ المجهـول ..!
تخرج ُ مـن ريـش ِ الأطيـار
تسقـط ُ أحيـانا ً مـن دمـع ِ الأمطـَار
تتخـلـل ُ جـدران الـدار
تخـطـو كالهـمـس ِ كعـين ِ الشـمـس ِ كحـلـم ِ الأمـس ِ
وتتحسـس ُ وجـع َ الأبـواب
وتميـس ُ على الشـط ِّ الأزرق ِ ،
فـي رحـم ِ السحــُـب ِ وأعـواد الغـاب
عـينـاهـَا ترتعـدان بضـجـة ِ عـصفـور ٍ محمـُـوم
باسـمـة ٌ وصغـيـرة
 كضمـة ِ يـاسميـن
فارعة ٌ كقـطرة ِ مـاء ٍ، ككـتـاب ِ الـديـن ..!
النجمة ُ فـوق عصـاهـا السحـرية
والصـدر ُ تـلال ٌ نـوريـَّـة
تتـدفـق ُ هـادئـة ً صاخبـة ً مـن غيـر ضجـيـج
تحمـل ُ سلـتها الحـبلى وتهـل ُّ كأطفـال العـيـد
تحـل ُّ بكـل الحجـرات ِ وتنـثـر ُ عـبـق َ الألـوان
تتـلألأ ُ نجـمـا ً عنـد َ عـيون الطفـل ِ البسـتـان
تتنـاثـر ُ وردا ً داخـل قـلـب الـرجـل ِ الإنسـان ..!
وتنـاديـني ، 
أسمـعــُها ... إنــِّي أسمـعـها ..!
وتحجــِّـيـني ، 
أبصـرُهـَا ... إنــِّي أبصـرُهـا ..!
وتنـاغـيـني ، 
أعـرفــُها ... إنــِّي أعـرفــُها ..!
حبـيبـتي كانت أحـلى امـرأة ً مـن رحـم ِ النـهـر
تعـتـم ُّ الـزهـر
عـينـاهـا فـيـروز ُ الـبحـر
نهـداها قـارورة ُ عـطـر
كانت امرأة ً مـن عـَرَق ِ الـليـل
من ذهـب ِ اللـهـب ِ السـاكـن ِ عـيـن َ الأمطـار
كانت أبهـى مـن طلـعـة ِ فلاح ٍ معـروق ِ الـوجـه ِ 
ووضـَّاح ِ الفـال ..!
"سـنــَّـار" 6
أرنـو لـليـل ِ علـى هـمـس ِ صليـبـي
نصلي يجتـث ُ وريـدي
وتـقـهـقـه ُ سـعـلاة ٌ عـجـفـاء :
-  رمـح ٌ مـركوز ٌ لا يـغـني إن غـاب النـصـل ..!
-  سيـف ٌ مصقـول ٌ لا يفـنـي إن شـل َّ الزنـد ..!
"سـنــَّـار" 6  أيـَا غـرة َ شـاهــد
لؤلؤة ً فـي الفـجـر ِ النـاهــد
لـو أن يـدي تعتـقـني يـَوماً واحـد
أراقـص ُ فـرسـي وأدق ُّ طبـولي
أروي قافـيـتي وأبـل ُّ طلـولي
استـنـكـَه ُ عـَرَقـي بيـن يـديـك
أمـِس ُّ فـتيـل َ الإشـراق ْ
فـهـزيـمة ُ حـب ٍ يـَا "سنــَّـار ُ " هـزيمـة ُ كـل َّ العـشــَّاق ..!

5

ما دمنا نملك أن نحلم ،
فليكن اللحن جسوراً وتعالي والصمت المعتم
فأنا قنديلٌ ملجم
لا يملك إلا أن يحلم..!
في هذا السهل تدانينا طبلاً ممراح
وتساقينا وتناغينا
في هذا الروض تعانقنا روحاً ورياح
وأنسلَّ اللحن الفارع من حنجرتي ،
تاهت أشرعة الملاح
تاهت وأنطفأ المصباح
فليكن اللحن جسوراً وتعالي
نستفتي طبل الأفراح ..!
قد حلَّ الخوف على داري ، دارك ، في دور الجيران
واشتعل الغيم على خطوي يستمطر عيد الأحزان
فليكن اللحن جسوراً وتعالي
صدراً تثقله الألحان..!
في هذي الضفة ِ كم داعبنا خدَّ الآمال
وبينا بيتاً من صلصال
وفرشنا حجرات الأطفال
حَباً وزهوراً ورمال
وجلسنا نحلم للأجيال
أجيالٌ تعقب أجيال
وسؤالٌ خصَّبه سؤال
فليكن اللحن جسوراً وتعالي والصمت المعتم
فأنا قنديلٌ ملجم
لا يملك إلا أن يحلم ..

6

في الليل ... في الليل الطويل -
والبرد ُ والأحزان ُ تصفعني
وأسرابُ البعوض تطن في "كورتي"  7
تغازل جارتي وغناء نوتي ٍ إلى النهر البخيل
الريح ُ والجرزان ُ قادمة ٌ تنقب في سراب الدار 
تغلق كل نافذة ٍ بوجه الفجر 
راقصة  على وقع ِ الحوافرِ
واحتضار ِ الشمس ِ والظل ِ الضئيل
ونعير ُ ساقيةٍ بنهر الحزنِ
تسقي لوزةً صفراء طعم العقم والرمح الكليل
في الليل ... في الليل الطويل -
وصياح درويش ٍ يقلب السوق : "حي على الفلاح"
وصبيةٌ تعدو على الإسفلت
والطرقات ُ عمياء ُ الفؤاد ِ تجوس ُ في الدم الأثيل
وأنا ألاعب فأرةً في ظل أشباح المساء الصمِّ
لا نجمٌ ولا ريقٌ بَلِـيل ..!
في الليل ... في الليل الطويل -
وتضج ُ من قيدي دمائي
استغيث ُ بنجمةٍ عجفاء أن كوني 
وافتح كل أدراجي 
دواليب َ القمامة ِ والسيوف الصادية
وأخط فوق الرمل  ِ
أقرأ قعر فنجاني وقامة فارس يمشي ونيل ..!
في الليل ... في الليل الطويل -
والراجعون من الجنود يسامرون القمل والوسواس
أو يتفيئون الوهم في أرداف غانيةٍ 
تفيء ورغوة الصابون والماضي الجميل ..!
وصبايا قريتنا بقعر الجب 
يستحضرن أرواح َ الجنود ِ
فيرتشفن البرد َ والحلم َ القتيل ..!
في الليل ... في الليل الطويل -
وانا أُنقِّبُ في خباء الروح عن فجرٍ بلون مشيمتي
عطرٌ يبلل ُ من تمدد من رفاق ِ الحزنِ
من ناموا على الصخر ِ النبيل -
همساتك السمراء تصفعني بأن لا مستحيل
همساتك السمراء في الليل الطويل.

7

وحينما أفاق ،
كانت يداه منجلين في الفراغ
وصدره ُ كمرجلٍ كبير
فبال فوق العشبِ مرتين
وبصق في الترابِ مرتين
وربما ثلاث
والسنبل البهي لا يزال شامخاً
ودقت الأجراس
من كل حقلٍ فارعٍ وكل طبلٍ فارغٍ
رحماك يا ميَّاس ..!
قالت فراشةٌ لأختها - ترنو كقطة مسكينة :
-  ماذا يقول الفارس الحزين لأمَـة ٍ مكلومة ٍ ظعينة ؟!
 - ماذا تقول خيلنا الحزينة ،
إذا شدت قمرية في ساحة المدينة ،
أو عاد من رحلته هابيل ؟!
-  ماذا يقول النيل للنخيل ،
حتى يميس مثل وردةٍ صبية ؟!
-  اللهُ عادلٌ ورائعٌ لطيف ..!
الله مثل شاعر ٍ شريف ..!
لن يرتضي لأرضه النزيف ..!
رحمانها رحيمها ورحمها الوريف
وقلبها الشفيف ..!
عيناه جدولان رائعان من حنان ..!
 يداه يا صديقتي مبسوطتان ،
تلاعبان كل وردةٍ ، تداعبان ،
الطفل والعصفور والغدير،
لكنه قابيل
أراد للدماء أن تسيل ..!
هابيل لن يعود يا حبيبتي ولن يعود
هابيل والنساء والعهود،
 فروا إلى الحدود
وكتبت الجنود
في لوحةٍ سنيةٍ شريفة :
 - الأرض بعد الله للخليفة
اللهُ متعبٌ قليلاً فأوكل الخليفة ..!
 هابيل لن يعود
قالت لي َ الجنود :
-         هابيل لن يعود ...!
حلمتُ ذات ليلةٍ بأنني أطير
أدور حول الأرض مثل نيزكٍ منير
والخيل َ والبغال َ والحمير
جميعها في حضرة الأمير ..!
حلمتُ أنني أغازل امرأة ،
أنثى - نعم - رقيقةً رقيقة ..!
وأنها حبيبتي - عرفتُها - حبيبتي الغريقة
تلك التي فقدتُها من ألف عام
تلك التي تخونني مع الغريب
تضيعني في السوق في الزحام
حلمتُ أننا في بيتنا وحولنا تزاحم الحمام
وألفُ شافع ٍ كبير
وحينما أفقتُ مثل شمعة ٍ في نزعها الأخير،
طوِّقتُ بالبغال والحمير ..!
طيبةٌ حبيبتي كأمي
دافئةٌ كمطبخ صغير ،
لكنه قابيل
أراد للدماء أن تسيل ..!

8

آتيك ِ ومن خلفي ،
مشاعل ُ من سنـا الآمال ِ
تدفعني إلى الترحال ِ
نحو جداولٍ سكنتْ بعينيكِ
ونحو فراشةٍ همدتْ بكفيكِ
أدور ُ أطوف ُ بالأطلال ْ ..!
على كتفي َّ أحزاني
ضلالاتي وإيماني
مواويلي وألحاني
بسيط ٌ، رائع ٌ -  أعدو كما الأطفال ..!
وتفزعني خيالاتي
نواقيس ٌ تدق على ربا ذاتي
وتنشد أثر خطواتي
وبعض سؤال ْ ..!
آتيك ِ وخلفي قهقهات الليل راقصةً على رقصي
وهازئةً على نبعٍ تدفَّق من سنا حسي
أعود إليك مزماراً على قيثارة الإثمال ْ ..!
آتيك ِ وخلفي من ظنون الشك زمجرةٌ
ومن أحبولة الأقدار مشنقةٌ
وشيءٌ من بريق الكذب في أسطورة الأجيال ْ  ...!
ويرعبني برود ُ الموت ِ في عينيك ِ
بين يديك ِ
في شفتك ِ
تمثالٌ يداعب ُ وجنة َ التمثال ْ ..!
آتيك ِ وصوت ُ الحق ِ يدعوني لكي أسمو
لكي أنجو من النيران ِ والكبريت ِ والزقوم ِ ،
كي أنجو
فأغسل ُ وجه َ أحزاني
أقبـُّل ُ ذلك المحراب َ في إجلال ْ ..!
ضباب ُ القلب ِ يبعدني ويدنيني
ويلفظني ويحويني
يئدني ثم يحييني
فأرحل عنك في كفي سراب الحلم ِ ، 
في عينيَّ بعض ضلال ْ..!
أطير ُ أغوص ُ نحو الأمس ِ ، أحلم أن أناجيك ِ
وأحلم أن يضوع المسك ُ من فيك ِ
فآتيك ِ ..!
أعود إليك كالأبطال ..!
آتيك واعلم أنك المؤودة ُ الثكلى
وأني - جثةً - أعدو مع القتلى
وأن العطر َ والأنسام َ والدفلى
في عينيك ِ  محض ُ خيال ..!

9

شـِدّوا على المحراث والدي الضرير
ليرجع الأمير للأمير
بالذهب والعطور والعبيد
كلنا للجب واردون
نطاطئ الرؤوس للطغاة
تبدل القيود كل ليلة ونحن جامدون
توقَّفَ،
انتصب واستطال مثل ماردٍ من خارج التأريخ
"النمر"  8 كان كالمخلِّص المسيح
ما الذي قد صير المسيح نمر ؟!

10

عيناك حداء ُ النوبة ِ في أعراس ِ الرمل
نجمٌ قبليٌ وشراعٌ قادته أنفاس التمر
عيناك الوهج الدافق بين الليلة والأمس
مضمارُ خيولٍ تعلف عين الشمس
عيناك هلالٌ أحمر
تلهبني
تفصد عنقي
يتدحرج ذاك الدم ُ الأصفر
أعود إلى مجرى أنغامي أتفجر
أعفـِّر جسدي بالتبر الأغبر
فيلاً تزعجه حشرات الحقل ..!
يا امرأةً تتوسد رئتيَّ
تتمطى داخل عينيَّ
عيناك تؤرجح ذاكرتي
امتد أطوق خاصرتي
أتوهج بالآهات العلوية ..!
أهديتُ عيونك لؤلوةً قدسية
ولساناً يصدح بالنور القدسي
أهديتك أنغاماً وعطوراً شرقية
قافلةً يحميها عنترة العبسي ..!

11

حبيبتي تركتها على شفا القمر
دماؤها سفينة ٌ تنادم السَّحَر
فؤادها مدينة ٌ تسامر الحذر
ووجها يتوشح الأنهار والمطر ..!
أهدتْ إليَّ في وداعنا النبيل خيط  ماء
وناب َ فيلٍ آبقٍ وريشة ً حمراء
تميمةً تقودني في مدن النحاس
في مربط الوسواس 
في حضرة النخاس
خبأتُ في مسامها وريدةً
أهديتها "كوكاب" جدي فاستطالت القناة
عروسةً تُزفُّ للسماء
تجرُّ في ركابها ذيلاً من الشموس
وموكبي يغوص ُ في الصحراء، 
أشتمُّ همسة َ البراعم الجديدة
والسنابل ُ الصغيرة ُ الجميلة ،
تمتد ُ في ظلال ِ الفجر ِ قامةً نبيلة
أعود من مدينة الأشباح كوكباً
مسافراً في رقصة القبيلة ..!

12

أنت الغابة ُ، أنت الجبل ُ ومزمار ُ الصحراء
ولسان ُ النار ِ وشقشقة ُ الماء
يا ابن َ الإنسان ِ الحق َ أقول :
أنت القاتل ُ والمقتول
النجم ُ الثاقب ُ حنظلة َ الديجور
الطارق ُ عش َ الدَّبـّور ..!

13

أين ... أين يا "نمر"  8 ؟؟!!
إلى متى تسامر ُ البريـِّة
أمامك المشانق ُ الغبية
وخلفك الرصاصة ُ الشقية
وهذه المدينة ُ الصخرية ، 
انكسر عندها لسانك الصقيل
وأنت أجرب ٌ على زفافها دخيل
وهذه المدينة ُ السحرية ،
انسل بابها من وجهك الهضيم
حراسها عقارب ُ الجحيم
قد طاردوك في البرية
وعقروا جيادك الحيية ...!
وهذه المدينة الثلجية ،
..........................
وهذه المدينة الـ ..............!
الأرض ُ كلها يا سيدي تطل "إسماعيل" 5
هنا ، هناك ، سيدي
في كل شبرٍ في الطريق
في نارك التي أوقدتها
في كسرة ِ الخبز ِ التي قضمتها
في نظرة ِ الأنثى التي عشقتها
في الدن في القيثار في الإبريق
مت ْ صاعقـاً كبرق ْ..!

14

محروسةٌ ، عظيمةٌ يا "بارا" 9
يا قلعة َ الأسود ِ
موطئِ الجدود ِ، موطن ِ الجسارة ..!
فحين تبرز ُ الثعالب ُ الزرقاء ُ
عند الفجر ِ تطلب ُ الصلاة ،
يلوح ُ وجهك المبين ُ نجمةً تنوء ُ بالبشارة
فتهتدي سنابك ُ الرجالِ
تزدهي ضفائر ُ النساءِ
يبرق ُ الأطفالُ
تحبل ُ الحروفُ
تنفر ُ العروقْ
تطول ُ قامة ُ البيوتِ
ترفع ُ الشموس َ عند سقفها إمارة
محروسةٌ عظيمةٌ يا "بارا" 9
فبسمك العظيم ُ قد كررت ُ
وبسمك العظيم هدَّ لي الحجاب فاقتربت ُ
وما رأيت ُ إذ رأيت ُ
وما رميت ُ إذ رميت ُ
وإن أمت فما قتلت ُ
غداً أعود في عيون ثائرٍ شرارة ..!
          نوفمبر 1995م يناير 2000م
            الخرطوم - أم جر - بحر أبيض

هوامش:

1  شندي : مدينة سودانية على الضفة الشرقية للنيل. عاصمة مملكة الجعليين السودانية حيث قُتل "إسماعيل" بن محمد علي باشا حرقاً.
2 المقدوم "مسلَّم": (1760 - 1821م) : حاكم إقليم "كردفان" في السودان الغربي أرسل إلى الدفتردار رسالة يفنِّد فيها أسباب الغزو من منظور إسلامي حيث أن الإسلام يحرم على المسلم قتال أخيه المسلم أو غزو بلاده كما أرسل للسلطان  "سليم" من قبل رسائل في ذات المعني ولكن الدفتردار لم يأبه بتلك الحجج والتقى الجيشان في "بارا" حيث انتصر الأتراك واستشهد المقدوم "مسلَّم".  
3 الدفتردار : أمين المال في المملكة العثمانية والمقصود هنا "محمد خسرو" قائد حملة غزو "كردفان". وبعد مقتل "إسماعيل" استشاط الرجل غضباً وقاد مجازر بشعة عمَّت كل أنحاء السودان فيما عرف بحملات الدفتردار الانتقامية.
4 محمد ودعدلان : (1750 - 1821م) : وزير "بادي" ملك "سنار" حاول توحيد قبائل السودان الأوسط لصد الغزاة الأتراك ولكنه قتل في قضية ثأر شخصي على يد أحد الوطنيين وبمقتله تفرق شمل الجيش واستسلمت "سنَّار" للأتراك دون مقاومة وخرج ملكها "بادي" يستقبل "إسماعيل" ويبايعه على السمع والطاعة.
5  إسماعيل باشا : (1801 - 1823م) : ابن "محمد علي" باشا والي "مصر" من قبل الخليفة العثماني. قائد حملة غزو "سنار". قتل حرقاً في "شندي" على يد المك "نمر".
6  سنَّار : (1505 - 1821م) : عاصمة دولة الفونج السودانية أو ما عرفت في التاريخ بالسلطنة الزرقاء والتي أسسها القائدان "عمارة دنقس" و"عبد الله جماع" من تحالف الفونج والعرب وهي الآن مدينة صغيرة على النيل الأزرق.
7 كورتي : موضع لمعركة دارت رحاها بين الغزاة الأتراك وقبيلة الشايقية حيث استبسل السودانيون وابدوا شجاعة نادرة ولكن تفوق السلاح الناري على السلاح الأبيض وانتصر الأتراك وقتلوا خلقاً كثيراً وهم يتقدمون جنوباً.
8  المك نمر : (1756 - 1834م) : المك السابع عشر والأخير لمملكة الجعليين وعاصمتهم مدينة "شندي". استسلم وقومه للأتراك دون مقاومة. طلب منه "إسماعيل" مطالب مادية باهظة وعددا من الرقيق ليعود بها إلى والده الباشا "محمد علي" في "القاهرة" حاول المك "نمر" مراجعة "إسماعيل" باشا في تلك المطالب فما كان من الباشا الصغير إلا أن صفع المك على وجهه أو قذفه بغليونه فاستشاط المك غضباً ودبر وقومه مكيدة أحرقوا بها "إسماعيل" وجنوده أحياء. وعندما قاد "الدفتردار" حملاته الانتقامية لجأ المك "نمر" إلى "الحبشة" حيث مات ودفن هناك
9 بارا : موضع في أقليم "كردفان"  لمعركة دارت بين السودانيين بقيادة المقدوم "مسلَّم" وجيش الغزاة الأتراك بقيادة الدفتردار. استبسل السودانيون كعادتهم ولكن تفوق السلاح الناري على السلاح الأبيض واستشهد المقدوم "مسلَّم".