التسميات

الأربعاء، 28 مايو 2014

الخـرافـــة

ذلك القيـد ُ الحالـم ُ ...
إنها تسيطـر ُ على عقـولنا ،
ترسـم خطواتنـا ،
ملامحنـا ،
ونظراتنـا ..!
قصـة ٌ مـا،
أو حكايـة ٌ ،
أو أحجيـة ،
ابتدعـها شخـص ٌ مـا
في لحظة ٍ تجـل ٍ أو يأس ٍ أو نشوة ٍ أو هذيان ْ ،
وقـد لا يكـون يعنيـها حقـا ً ..!
شخـص ٌ مـا ،
ربما لصـا ً فاتكـا ً
أو أفـَّـاقا ً أو أحـد الحمقـى أو الأوغـاد ْ ،
ربما أحـد ُ الطيبيـن حتـى ،
الباحثيـن عـن الحـق ْ
الضاليـن َ عـن الحقيـقـة ْ ..!
بـذرة ٌ صغيـرة ٌ،
ألقاها أحـدهم بقصـد ٍ حسـن ٍ أو شـريـر ْ ،
فتعهدها القطيـع مـن بعـده بالسـُّـقيـا
فامتـدت ْ جـذورها حتى صياصـي الأرض ْ،
وتشابكت ْ أغصانها حتى السمـاء ْ ،
فأزهرت ْ حقيقـة ً لا يجـرؤ أحـد ٌ على التشكيـك ِ فيـها ،
وإلا مـات أو قــُـتـل ْ ..!
قـوة ُ الخـرافة ِ تكمـن في عـدد ِ المصفقيـن لهـا ،
السائـرين َ فـي ركـابها
هـؤلاء المتحمسـون جـدا ً لنشـرها،
لا يهـم ُّ مـن هـم أو مـاذا يكونـون ْ
لا يهـم ُّ مـا يحملـون َ مـن شهـادات ٍ،
أو ما طالعـوه مـن كتـب ْ ..!
لا يهـم ُّ إن كانت عقولهـم كحبة ِ خـردل ٍ أو صخـرة ٍ،
أو باتساع ِ الفضاء ِ العريض ْ ..!
ربما استطاع َ كـم ٌ مهمـل ٌ من المثابرين – 
وكلهـم مثابرون فـي هـذا المنحـى
أن يجعـل َ الوهـم حقيـقة ً ،
ويحيـل َ الشـاذ َ إلى قاعـدة ْ ..!
الأوغاد ُ المستنيرون َ كما المتدينـون َ الحمـقى هم سدنة ِ الخـرافـة ْ ..!
وحين يقـود ُ أحـد ُ هؤلاء الأماجـد ِ موكـب َ الخرافـة ِ
يصبح ُ الوضـع ُ بالـغ َ السـوء ْ ،
فمعارضـة ُ هـؤلاء إمـا ضـلالا ً أو خيانة ً وطنيـة ً،
وكلاهما يقــود إلى حبـل ِ المشنقـة ْ
فمـن يجـرؤ على التشكيـك ِ في خطـة ِ سيـر ِ القطيـع ْ
لـن يجـرؤ أحـد ٌ سـوى مبتدعي الخـرافة أنفسهـم
وحدهـم القادرون َ
على ابتداع ِ خرافة ٍ جديدة ٍ ،
أو ترقيـع ِ الخـرافـة ِ القديمـة ِ لتصبح َ أكثـر َ تشويقا ً وإثـارة ْ
وأكثـر تضليـلا ً
لا أدري من أيـن تستمـد الخرافة ُ قدرتها على التواؤم المستمـر ْ
تجديد َ نفسها والمسيـل في نبـع ِ الحيـاة ْ
ربما هنالك جرثـومة ٌ صغيـرة ٌ فـي عقـول ِ البشـر ْ
عاهـة ٌ وجـودية ٌ تستدرجهـم نحـو هـذا الطـريـق ْ ..!
كذلك لا يستطيع أحـد ٌ أن يجـزم َ بمقدار ِ الضرر ِ الناتج ِ عن الخـرافة ْ
أو الخيـر ِ المنبثـق مـن ثنايـاها..!
ولكننـا جميعا ً نعلم أنها أحـد ُ الأعمدة التي ترتكـز عليها حياتـنا
وامتزجت ْ بها كالدخـان ْ ..!
حياتـنا ...
تلك البائسـة ُ أو العظيـمة ْ ...
المزرية ُ أو الجميـلة ْ ...
لا أدري ..!
ولن تجـد رجـلا ً راشـدا ً يستطيـع أن يفتيـك ْ ..!
عقول ُ البشر ِ تــُستـدرج ُ نحو تصديق مـا لا يكـون ْ
إنها تتعـامى عن الحقيقـة أو تتجاهلها عمـدا ً، جهــلا ً، مكابـرة ً،
أو ربما يريدون َ أن يغيظـوا الوجـود ،
حقيقـة لا أدري ،
ربما يشوقهم الحـل ُ السهـل ُ لمشاكـل مستعصـية ْ
أذكـر أن أحـد َ الأوغـاد ِ المستنيـرين ْ
وقف َ على جسـر ٍ فـي (بغـداد) يعـظ ُ النـاس َ قبـل ألف عام ٍ أو يزيـد ْ
كان اجتمـاعا ً محضـورا ً
جاءه الناس ُ من كل ِّ الفجـاج ِ زرافات ٍ ووحـدانـا ،
نسـاء ٌ جميـلات ٌ وعجـائز ُ شمـط ْ ..!
رجـال ٌ راشــدون َ
صبية ٌ وأطفـال ٌ طيبـون ليستمعـوا قولـه ..!
كان الشاعـر ُ الحكيم ُ يريد أن يسخـر َ مـن القطيـع ِ علـى طريقـتـه ، ِ
كان يهـزأ ُ ويسخـر ُ وقلبـه ُ يدمـي ...
كان يبتـدع ُ خرافـة ْ ..!
قـال َ – لحاه ُ الله –
بلغنا عن غيـر ِ واحـد ٍ مـن صالـح ِ السلـف ِ،
أن َّ مـَـن وصـل َ لسانـه ُ أرنبـة َ أنفـه ُ،
دخـل َ الجنـة َ بغيـر ِ حسـاب ٍ ،
ولا سابـق ِ عـذاب ْ ..!
فأخـرج َ الجميـع ُ ألسنتهـم جاهديـن َ ليصلوها بأرنبـة ِ أنوفهـم ..!
بعضهم طرب َ وصفـق َ وبات ليلتـه مطمئـنا ً
وبعضهم اغتـم َّ وانخرط في التمريـن ِ جاهـدا ً لبلوغ ِ المقـام العـلي ..!
ومات شاعـرنا غما ً وهما ً في (بغـداد) قبـل ألـف عام ٍ أو يزيـد ْ ..!
ولكـن ليـس هـذا هـو المهـم ْ
فلقـد رأيـت ُ ابني وزمـلاءه في الصـف قبـل يوميـن ِ
يتمرنون بكـل ِ حمـاس ٍ ليصلوا ألسنتـهم بأرنبة ِ أنوفـهم ..!
نعـم ، ابني وزملاؤه بعـد ألـف عـام ٍ أو يزيـد.
                              الخرطوم - أبريل 2014م