7
لم تكن حياة (بريدة) تختلف عن حياة رفيقاتها في أرض المملكة الواسعة كثيرا ً، فلقد كانت تؤمن بما يؤمن به سائر قومها وتعتنق ما يعتنقه الجميع من قيـم اتفق الناس في تلك البقعة المقدسة من الأرض على أنها تمثل الدين الحق وصراط الله المستقيم وخطته التي ارتضاها لعباده من أجل حياة ٍ قويمة تدلف بصاحبها إلى أعلى الجنان. فكانت الصبية ولـدَّاتها تجسيداً حيا ً لرؤية قومها لما يجب أن تكون عليه حياة الفتاة المسلمة في قيامها وقعودها ومشيها وحديثها إن تحدثت.
ولم تكن نعمة الله التي أنعم على الفتاة وزانها بها من جمال ٍ باهر وعذوبة ٍ في الصوت ليمنحها التفرد أو الإحساس بالتميز على أي ٍ من صويحباتها في الحي الذي تسكن أو وسط أقاربها ومعارفها، فلقد ظل ذلك الجمال الباهر والأنوثة الفوارة حبيسة الجدران الأربعة لسنوات ٍ عدة لا يخرج إلا لضرورة ٍ قصوى كما يقضي الشرع. وإذا ما خرجت الصبية الساحرة من بيت ذويها ذات يوم ٍ لبعض شأنها مما يباح لها الخروج فيه وهي ترتدي زيها الشرعي ، لم يكن المارة يبصرون منها سوى كتلتها القائمة في عباءة ٍ سوداء سابغة ٍ ونقاب ٍ كثيف، فتبدو الفتاة كتل ٍّ صغير ٍ متحرك ٍ غير واضح المعالم لا يلبث أن يذوب ويتماهى وسط التلال الأخرى التي تشاركها الطريق فتلوح النساء في مجملهن للناظر كقطيع ٍ من مخلوقات ٍ سوداء َ غريبة تدب ُّ على الأرض وتشارك ساكنيها حياتهم. وحتى النساء اللائي يدلفن إلى المنزل بعض الأحيان، لم يتيسر لهن رؤية نعمة الله على الصبية الساحرة وما حباها به من جمال ٍ باهر ٍ والتعليق عليه بما يسعد قلب صاحبته ويشعرها بالتقدير، إذ كانت (بريدة) لا تقابلهن إلا وهي ملتاثة بخمار ٍ عريض في عباءة ٍ سابغة، فلقد ورد في الأثر أن من النساء من تطلع على محاسن العذارى فتصفها للرجال فتكون الفتنة وتسقط صاحبتها في الإثم. فتديـُّن الفتاة العميق والتزامها بما أمر الله يجعلها تتحرز من كل شيء وتخاف اللا شيء وتتابع في شغف ٍ طموح البرامج الدينية التي يبثها التلفاز وتحفظ وتعمل بكل ما يفتي به فرسان الكلمة من علماء المملكة عن أدب الفتاة المسلمة وخطورة السفور وضرورة التحرز من مكامن الفتنة والبعد عن مواضع الشبهات. وحتى أحلام الفتاة التي تمليها عليها الطبيعة وما جره عليها أبواها من مخالفة أمر الله وأكل الشجرة المحرمة في ذلك اليوم البعيد، كانت أحلاماً مبهمة ً وغامضة. وفي الكثير من الأحيان لا يكون بطل ذلك الحلم سوى لحية ٍ كثة يعلوها شارب ٌ محفوف يترآى للصبية النائمة دون أن تتبين وجه صاحبه ولكنه كان كافيا ً لحصول المراد. وكثيرا ً ما يفزعها ذلك ويشعرها بالإثم فتصحو من نومها فزعة ً تستغفر الله في حرارة وهي ترجو كريم عفوه. فرغم علمها بأن الحلم ليس بيديها ولم يكن من اختيارها إلا أن ذلك الألم الممتع أو المتعة الأليمة التي تطويها في بعض الأيام إذا ما وقفت في الحمام تغتسل وتدلك جسدها الريان تجعلها تحس ُّ بالكثير من الذنب وتظن أن لذلك علاقة ما بتلك الأحلام الخبيثة التي تطاردها إذا ما جن َّ الليل وأوت إلى فراشها، فتبكت الفتاة نفسها وتتهمها بالبعد عن الصراط السوي.
ولم تكن نعمة الله التي أنعم على الفتاة وزانها بها من جمال ٍ باهر وعذوبة ٍ في الصوت ليمنحها التفرد أو الإحساس بالتميز على أي ٍ من صويحباتها في الحي الذي تسكن أو وسط أقاربها ومعارفها، فلقد ظل ذلك الجمال الباهر والأنوثة الفوارة حبيسة الجدران الأربعة لسنوات ٍ عدة لا يخرج إلا لضرورة ٍ قصوى كما يقضي الشرع. وإذا ما خرجت الصبية الساحرة من بيت ذويها ذات يوم ٍ لبعض شأنها مما يباح لها الخروج فيه وهي ترتدي زيها الشرعي ، لم يكن المارة يبصرون منها سوى كتلتها القائمة في عباءة ٍ سوداء سابغة ٍ ونقاب ٍ كثيف، فتبدو الفتاة كتل ٍّ صغير ٍ متحرك ٍ غير واضح المعالم لا يلبث أن يذوب ويتماهى وسط التلال الأخرى التي تشاركها الطريق فتلوح النساء في مجملهن للناظر كقطيع ٍ من مخلوقات ٍ سوداء َ غريبة تدب ُّ على الأرض وتشارك ساكنيها حياتهم. وحتى النساء اللائي يدلفن إلى المنزل بعض الأحيان، لم يتيسر لهن رؤية نعمة الله على الصبية الساحرة وما حباها به من جمال ٍ باهر ٍ والتعليق عليه بما يسعد قلب صاحبته ويشعرها بالتقدير، إذ كانت (بريدة) لا تقابلهن إلا وهي ملتاثة بخمار ٍ عريض في عباءة ٍ سابغة، فلقد ورد في الأثر أن من النساء من تطلع على محاسن العذارى فتصفها للرجال فتكون الفتنة وتسقط صاحبتها في الإثم. فتديـُّن الفتاة العميق والتزامها بما أمر الله يجعلها تتحرز من كل شيء وتخاف اللا شيء وتتابع في شغف ٍ طموح البرامج الدينية التي يبثها التلفاز وتحفظ وتعمل بكل ما يفتي به فرسان الكلمة من علماء المملكة عن أدب الفتاة المسلمة وخطورة السفور وضرورة التحرز من مكامن الفتنة والبعد عن مواضع الشبهات. وحتى أحلام الفتاة التي تمليها عليها الطبيعة وما جره عليها أبواها من مخالفة أمر الله وأكل الشجرة المحرمة في ذلك اليوم البعيد، كانت أحلاماً مبهمة ً وغامضة. وفي الكثير من الأحيان لا يكون بطل ذلك الحلم سوى لحية ٍ كثة يعلوها شارب ٌ محفوف يترآى للصبية النائمة دون أن تتبين وجه صاحبه ولكنه كان كافيا ً لحصول المراد. وكثيرا ً ما يفزعها ذلك ويشعرها بالإثم فتصحو من نومها فزعة ً تستغفر الله في حرارة وهي ترجو كريم عفوه. فرغم علمها بأن الحلم ليس بيديها ولم يكن من اختيارها إلا أن ذلك الألم الممتع أو المتعة الأليمة التي تطويها في بعض الأيام إذا ما وقفت في الحمام تغتسل وتدلك جسدها الريان تجعلها تحس ُّ بالكثير من الذنب وتظن أن لذلك علاقة ما بتلك الأحلام الخبيثة التي تطاردها إذا ما جن َّ الليل وأوت إلى فراشها، فتبكت الفتاة نفسها وتتهمها بالبعد عن الصراط السوي.
ظلت الفتاة على تلك الحال زمانا ً طويلا ً إلى أن هيأ لها الله أن تحل على مدينة "قوقل بلس" وتصبح من سكانها الدائمين. كانت مشاركاتها في مجملها تنادي بذات ما تؤمن به (بريدة) من أخلاق الفتاة المسلمة وضرورة لبس النقاب الشرعي وذم السفور ونشر الأحاديث والمأثورات التي تأمر بذلك وتنذر غير المنقبات بعذاب ٍ من الله شديد. الكثير من شبان "قوقل بلس" طلبوا صداقة القادمة الجديدة وأخذوا يتابعون مشاركاتها بكثير ٍ من الاهتمام، فيعجب بعضهم ويعلق البعض الآخر بما يسعد القلب المحروم. وتمر الأيام على الفتاة بالكثير من السعادة ولذة التواصل مع بني جنسها من الآدميين والاحساس المفعم بالتقدير من جانبهم. سعادة ٌ لم تختبرها (بريدة) من قبل فنعمت الصبية بالكثير من الثقة بالنفس كانت تفتقدها ونما إحساسها بذاتها وأهميتها في الكون العريض شيئا ً فشيئا وتلاشى الخوف والحذر الذي كان يقف عائقا ً بينها وبين الآخرين واضمحلت تلك الريبة المقلقة التي بصرت بها الجنس الآخر طوال سنين حياتها السابقة فتعرفت الصبية الجميلة إلى (الفارس النخعي) ذلك الشاب الوسيم حليق اللحية عذب الكلمات متفرد التعليقات وأخذت تدردش معه على "الخاص" دون أن ترى بأسا ً في ذلك. وتمددت حبال الوصل بينهما في تناغم ٍ مبهر دون تكلف ٍ من جانبها وأخذت المسافة بينهما تتناقص في تتابع ٍ محموم إلى أن أباحت الفتاة لنفسها أن تفتح الكاميرا وتحادثه وجها ً لوجه وهي ترتدي نقابها الشرعي الكثيف لا يظهر لمحدثها منها سوى تل ٍّ صغير ٍ من السواد الساكن مطمئنة إلى أنها بتلك الخطوة لم تخرج عن الجادة أو تخالف أوامر الله. وانفجر (الفارس النخعي) يومها بالضحك وهو يعلق على ذلك بقوله : ما الفائدة إذا ً من هذه الخطوة إذا كنا سنتحاور هكذا ؟!
ورغم أن الفتاة رفضت الكشف عن وجهها كما طلب محدثها تلك الليلة إلا أنها وجدت اعتراضه في منتهى المعقولية والمنطق حين وزنته بميزان العقل المحب. كما أن مكانا ً من قلبها يدعوها للتباهي ببعض ٍ مما أنعم الله عليها وظل َّ في دائرة الاهمال لأكثر من ثلاثين عاما ً. كانت العذراء في داخلها تتوق لكلمة إعجاب ٍ مخصوصة ٍ تشعرها بسحر أنوثتها وتفردها وأهميتها ككائن منفصل عن الآخرين، أنثى ساحرة تنتزع إعجاب الجنس الآخر واهتمامهم. كانت (بريدة) تتوق لسماع كلمة حنان ٍ دافئة ومشاعر فياضة يوليها إياها أحدهم لشيء ما يخصها هي وحدها ولا تملكه الأخريات.
وبدا وكأن (الفارس النخعي) قد اطلع على أحلام الصبية المحرومة فأخذ يزجيها من الحديث أعذبه ويسقيها من الحنان والاهتمام أغلاه. وتمر الأيام لتتحلل الفتاة عن دثارها شيئا ً فشيئا والشاب يحضها على ذلك رفيقا ً بها حينا ً وعاتبا ً لائما ً هاجرا ً بعض الأحيان وهي في سكرتها لا تعي إلا دين المحبوب، إلى أن كشفت الصبية عن ما لا يجوز كشفه بعد أن اغلقت على نفسها باب حجرتها بالمفتاح من الداخل.
في ذلك اليوم جف َّ ريقها واشتعل جسدها بنيران ٍ لم تعهدها من قبل وكان لهذا الكشف أثره المزلزل على الجسد المحروم فلقد سما بصاحبته إلى عوالم أخرى لم تكن تدري عن وجودها شيئا ً وما خطرت على قلبها في غابر الأيام. وتحالف الجسد المشتعل والحبيب الجريء ضدها لتخطو الصبية خطوات ٍ أخرى أكثر جرأة ً نحو اللذة المحرمة.
في بداية ذلك التواصل الغريب لم تكن الفتاة تعقل من كل ما يحدث سوى اللهب المشبوب الذي يتراقص فوق جسدها إذا ما أدلهم َّ الليل، وكثيرا ً ما تختلي بنفسها وتستعيد تلك المواقف الحميمة فتجد لذلك لذة ً لا تقل عما وجدته في الحقيقة، وكثيرا ً ما كانت تتعجل قدوم المساء لتغلق عليها حجرتها وتختلي بالحبيب، ولكن شيئا ً فشيئا أخذ الإحساس بالذنب يطويها وهي تستمع للآذان يصدح من بيت الله القريب خمس مرات ٍ يوميا ً مذكرا ً بوجوده. ويوما ً بعد يوم لم تعد (بريدة) راضية ً عما تفعل ويؤرقها إحساس ٌ عظيم ٌ بالذنب يدفعها في كثير ٍ من الأحيان لتختلي بنفسها وتغرق في نوبة ٍ حارة ٍ من البكاء. ويشتد نواحها حين تستحضر مشاهد الجحيم وما أعده الله للساقطات من حفر النيران العميقة، فتغرق سائر نهارها في الألم والرعب المميت. وحين تجلس الفتاة إلى أسرتها في بعض الأحيان ويلوح أمام عينيها ما تخفيه من سر ٍ مشين يمكن أن يعلمه أحدهم بطريقة ما ، ترتجف فرقا ً وهي تتمتم بدعاء حار تسأل الله الستر. كل ذلك كان يتطاير هباء ً حين يأتي المساء فتطير العاشقة إلى معشوقها بغير جناح وتغرق بين الأمواج المتلاطمة فلا ترى من دنياها إلا ذلك العباب. وظل التنازع المؤلم يتجاذبها بين براثنه أياما ً وليالي ففقدت شهيتها للطعام ولم يعد النوم يزور جفنيها إلا لماما ً فهزل جسمها وشحب لونها وهي لا تزال تسير على الطريق المتعرج كما النائم.
ظلت (بريدة) على تلك السيرة ما شاء الله لها أن تظل، إلى أن عقدت العزم على التوبة النصوح والبعد عن ذلك اللهب المشتعل بعد أن أهلكها عذاب النفس، فقررت الرضا بحياتها التي أعدت لها من قبل وتسليم أمرها إلى الله والانتظار مثلها مثل سائر نساء قومها ليوم زفاف ٍ مشهود لا يعرف متى يحين أوانه أو من يكون فارسه ولكنه سيبعدها بالتأكيد عن هذا العذاب ويمنحها المودة والرحمة والسكينة التي وعد الله بها المتقين. وكي لا تضعف وتتراجع الفتاة عن قرارها القويم استقبلت الكعبة الشريفة بوجهها وتوضأت باهتمام ذلك اليوم وهي تستحضر شخص النبي الكريم كما يصوره عقلها وصحابته الأبرار يحفون به ودموعها تنهمر ثم ارتدت زيها الشرعي وحملت مصحفها الصغير وطلبت من أمها أن تصحبها إلى بيت الله الحرام.
هنالك بكت الفتاة كما لم تبك ِ من قبل وهي تناجي الله دون أن تجرؤ فترفع رأسها إلى سمائه، بل ظلت عيناها تلامسان الأرض في تذلل يحفه الإيمان. أخذت الصبية المعذبة تناجي ساكن السماء ودموعها الصادقة تجري على خديها مدرارا ً معترفة بذنبها راجية كريم عفوه طامعة ً أن يعينها على السير في الطريق المستقيم. ثم وضعت الفتاة يدها على المصحف الشريف لتشهد الله وملائكته وحملة عرشه على توبتها النصوح وأنها لن تعود لمثله أبدا ً ثم كرت قافلة ً إلى بيتها وقد احمرت عيناها من كثرة البكاء وهي تحس بالسكينة والاطمئنان بينما غرقت الأم في دهشة ٍ عظيمة ٍ مما يحدث لها.
ولم يكن مثل هذا القرار بالأمر الهين على المارد الذي استيقظ فجأة ً بعد بضع وثلاثين عاما ً من الكمون، إذ كثيرا ً ما كان الجسد المسعور يحاول التمرد على ذلك القرار الجائر، فتتنمل الأطراف وتتهيج بعض المواضع وتلسع بعضها حرارة ٌ مؤلمة ولكن القسم العظيم الذي اقسمته (بريدة) في بيت الله الحرام حيث مقام النبي (إبراهيم) وملائكة الرب، وقف منجاة ً بينها وبين معاودة الكرة. ولم يرض َ الشاب العاشق بخطتها تلك حين أفضت إليه بما عقدت عليه العزم بل ظل يلاحقها بالرسائل الخاصة التي تحتوي على الكثير من العبارات التي تنضح بالإثم. ولم تكن المسكينة تفعل شيئاً سوى البكاء والنواح كلما ولجت إلى "قوقل بلس" ووجدت تلك الرسائل التي تذكرها بما كان منها من ضعف ٍ ممقوت وسقوط ٍ مخز ٍ في غابر الأيام، فتحولت حياة (بريدة) إلى جحيم ٍ مستعر.
ورغم ذلك لم تفكر الفتاة في ترك الموقع والفرار بجلدها من ذلك الماضي الذي أنقض ظهرها إذ أن تلك المدينة الافتراضية أصبحت جزءاً مهما ً منها ، جزءٌ عزيزٌ من عقلها وقلبها ووجودها ، ففي "قوقل بلس" فقط أحست الفتاة بمعنى الإنتماء، ومع سكان "قوقل بلس" وحدهم ذاقت الفتاة حلاوة التقدير من الآخرين وما يثمره التفاعل معهم من سعادة، وعبر "قوقل بلس" لا غيره خبرت الفتاة الاحساس المفعم بالذات ومتعة التفرد بل وجدت لوجودها في الحياة هدفا ً ومعنى. فـ "قوقل بلس" أصبح حياتها التي لا حياة لها غيرها فكيف تترك حياتها لتعود كتلة ً سوداء ساكنة تقضي يومها بين أربعة جدران أو تخرج مخفورة لتتماهى وسط الآلاف من الكتل السوداء المتشابهة. إن مغادرتها لـ "قوقل بلس" تعني موتها غير المعلن، موت روحها.
وحين فاض بها العذاب وأجهدت العقل تلك المطاردة القاسية المثابرة أقدمت الفريسة على خطوتها الجريئة تلك وكأنها تختار الموت ملجأ ً من تلك المطاردة المهلكة والهروب غير مأمون العواقب، فنشرت (بريدة) في ساحة المشاركات للعامة ما يطلبه (الفارس النخعي) منها مصحوبا ً بالرابط الذي يثبت صدق حديثها. وانهالت التعليقات من سكان "قوقل بلس" تستنكر فعل الرجل وتشيد بعفة الفتاة وكرم أخلاقها وصدق تدينها ودعا الكثيرون الله أن يسقي الصبية العفيفة من "حوض الكوثر" جزاء ما حفظت عرضها ودينها. ولكن لم تمض ِ سوى دقاق معدودة حتى جاء رد (الفارس النخعي) على ذاك الاتهام بما يفوق كل خيال. فاجأ الشاب جميع سكان "قوقل بلس" برد ٍّ لم يكن ليخطر لأحدهم على بال. يقول (عبد الله السوداني) وهو يقهقه ضاحكا ً أن ذلك الرد لا بد َّ أن يكون قد فاجأ (إبليس) نفسه. بينما أخذ (الحسن الناصري) يسترجع ويحوقل بعدد أصحاب الإمام (الحسين) يوم الواقعة. فلقد أوضح (الفارس النخعي) أنه ما أراد بذلك الطلب الذي ينكره عليه المنكرون إلا مرضاة الله ورسوله ونصرة آل بيت النبوة عليهم السلام ومذهبهم القويم، إذ كان يريد كما قال أن يسجل على تلك الوهابية ما يشينها من مشاهد التعري ليهددها به إذا ما تعرضت لمذهب آل البيت أو ناصرت فلول "حزب البعث العراقي" أو أحيت ذكرى رئيسه الهالك في مقبل الأيام. قالها الشاب في بساطة فهو لم يأت ِ بجديد بل استعمل سلاحه السري الذي أرغم في السابق أنوف الكثير من الوهابيات على "قوقل بلس" في التراب وجعلهن يتأدبن صاغرات أمام ذكرى استشهاد (أبي عبد الله) عليه السلام ولا يتدخلن بتعليق ٍ يشوش تلك الذكرى المقدسة ولكن قضى الله أن لا تسقط الفريسة في الشرك هذه المرة مثل سابقاتها. هكذا جاء رد (الفارس النخعي).
وهبط البؤس والوجوم على الجميع وهم يطالعون هذا الإيضاح المعتم وفاحت رائحة ٌ منتة ٌ فاءت على "قوقل بلس" وانتشرت في أكثر من عشرين دولة ٍ ليخيم الحزن على آلاف المدن والقرى والفرقان فتئن القصور والفيلات وبيوت الطين وأكواخ القش بالألم والاستنكار. الكثير من الفتيات في تلك الأمسية كن يمررن على المشاركات في ذهول ٍ واجم ويشرن عليها بالإعجاب دون أن يعقلن ما أعجبن به. الكثيرات منهن أغلقن على أنفسهن باب الغرفة من الداخل وأخذن يتابعن ساحة المشاركات ودموعهن تنهمر وقد أسود َّ الكون أمام أعينهن. كان وضعا ً غريبا ً لم يحدث لسكان "قوقل بلس" من قبل فزلزلت الأرض تحت أقدامهم حتى لم يعودوا يعقلون. أقر َّ (حليم المصري) لاحقا ً أنه غرق في نوبة ٍ عارمة ٍ من البكاء طيلة تلك الأمسية وهو يشارك شعبه اعتصامهم في "ميدان التحرير" ويتابع ما يثار على "قوقل بلس"عبر هاتفه الجوال وظن رفاقه المناضلون أنه يبكي طلبا ً للحرية، بينما لم يكن هو يدري ما يبكيه بالتحديد. وأنزل (شاعر العترة الشريفة) قصيدة عمودية صاغها على عجل تحض َّ على مكارم الأخلاق وتذم السفهاء مطلقا ً دون أن يشير إلى خصومه الوهابيين كما درج على ذلك في أشعاره السابقة. الكثيرون من سكان الموقع بعد ذلك أنزلوا مشاركات لا علاقة لها باهتماماتهم في غابر الأيام وما كانوا يبشرون به وكأن ما نزل من خطب قد أفقد عقولهم إتزانها فأبعدها عما كانت تحسبه جادة الطريق إلى ضده. فمن كان يزرع الفرح من قبل في ساحة المشاركات نحا نحو الجدية والرزانة وأخذ يذكر الموت في مشاركاته وعذاب القبر وكأنه يخشى ما يمكن أن يجره عليه مرحه السابق من ويلات. أما الذين لم يعرف لهم من قبل أدنى اهتمام بالإبتسامة والمرح فلقد نحو في مقبل الأيام نحو الفكاهة وترديد الطرائف وكأن ما نزل من خطب أنساهم وقارهم، أو أجبرهم الألم العظيم الذي غرق فيه الجميع على محاولة بذل الجهد لتخفيف حدته. وحتى (الثائر أبو عمار) نسي أرضه السليبة وأحزان اللاجئين والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية لتأتي مشاركاته اللاحقة تتحدث عن الحيوانات الأليفة كالأرانب والقطط وطيور الزينة وطرق تربيتها والاعتناء بها ومقدار ما يمكن أن تدره على صاحبها من أموال. كما لم يلبث (مردوخ) في ساحة المشاركات تلك الأمسية إلا دقائق معدودة لم يهتم فيها بالرد على السب واللعن والتجريح الذي كاله له الكثيرون معلقين على مشاركته السابقة التي تشير إلى بعض الأصول الوثنية للأديان السماوية بل خرج من الموقع بعد اطلاعه على منشور (الفارس النخعي) وهو يحس بالكثير من المرارة ولم يعد إلى ساحة المشاركات إلا بعد أسابيع ٍ عدة.
ينكر (عاشق المختار الثقفي) وجماعته من الموالين أن يكون (الفارس النخعي) من شيعتهم ويقولون أنه وهابي ٌ نجس ٌ يريد أن يلوث مذهب آل البيت عليهم السلام بتلك الفرية. كما يتبرأ منه جماعة (أسد السنة القرشي) وينسبونه إلى خصومهم الشيعة مستدلين على ذلك باسمه وما زعمه من دفاع ٍ عن مذهب التشيـُّع. بينما يصر الشاب على أنه من عترة النبي الأطهار وأن من عادوه الآن وعابوا عليه خطته في الدفاع عن آل بيت النبوة وانحازوا إلى تلك الفتاة الوهابية هم في حقيقتهم نطف ٌ منتة ٌ يعيدون ذات التاريخ القديم مناصرين لأهل الجور والظلم كما فعل آباؤهم حين خذلوا جده (الحسين) عليه السلام وأسلموه لسيف (يزيد) اللعين ، فأخذ الشاب يدعو عليهم وعلى آبائهم لعدة أسابيع بسوء العذاب مستنصرا ً بجدته (الزهراء) وبنيها والسر المستودع فيها. ولكن الرواية التي أخذ بها الجميع كحقيقة بعد عدة أيام وأخذوا يرددونها في يقين ٍ لا يدانيه شك رغم أن لا دليل عليها ولا يعرف من نسجها هي أن (الفارس النخعي) اسم ٌ مستعار ٌ لأحد أحفاد ابن السوداء اليهودي (عبد الله بن سبأ) تسلل إلى "قوقل بلس" ليكمل ما بدأه جده الملعون قبل عدة قرون من اشعال الفتن بين الأخوة في العقيدة. أما (بريدة) فلقد كان ذلك المساء هو آخر عهدها بالموقع وسرت شائعة ٌ تقول أن الفتاة قد تجرعت السم واختارت أن تضع حدا ً لعذابها. ومنذ تلك الأمسية انتشر بين ساكني "قوقل بلس" مصطلحا ً جديدا ً مهولاً ومرعبا ً ، إنه "السلاح السري" كما سماه (الفارس النخعي) فاصبحت العلاقة بين الجنسين تقوم على الكثير من الشك وسوء الظن ويشوبها الخوف والحذر وغير ُ قليل ٍ من التربص.
الصفحات (86 - 95) من رواية (امرأة على قوقل بلس) - "فبراير 2013م - يوليو 2013 م"
في ذلك اليوم جف َّ ريقها واشتعل جسدها بنيران ٍ لم تعهدها من قبل وكان لهذا الكشف أثره المزلزل على الجسد المحروم فلقد سما بصاحبته إلى عوالم أخرى لم تكن تدري عن وجودها شيئا ً وما خطرت على قلبها في غابر الأيام. وتحالف الجسد المشتعل والحبيب الجريء ضدها لتخطو الصبية خطوات ٍ أخرى أكثر جرأة ً نحو اللذة المحرمة.
في بداية ذلك التواصل الغريب لم تكن الفتاة تعقل من كل ما يحدث سوى اللهب المشبوب الذي يتراقص فوق جسدها إذا ما أدلهم َّ الليل، وكثيرا ً ما تختلي بنفسها وتستعيد تلك المواقف الحميمة فتجد لذلك لذة ً لا تقل عما وجدته في الحقيقة، وكثيرا ً ما كانت تتعجل قدوم المساء لتغلق عليها حجرتها وتختلي بالحبيب، ولكن شيئا ً فشيئا أخذ الإحساس بالذنب يطويها وهي تستمع للآذان يصدح من بيت الله القريب خمس مرات ٍ يوميا ً مذكرا ً بوجوده. ويوما ً بعد يوم لم تعد (بريدة) راضية ً عما تفعل ويؤرقها إحساس ٌ عظيم ٌ بالذنب يدفعها في كثير ٍ من الأحيان لتختلي بنفسها وتغرق في نوبة ٍ حارة ٍ من البكاء. ويشتد نواحها حين تستحضر مشاهد الجحيم وما أعده الله للساقطات من حفر النيران العميقة، فتغرق سائر نهارها في الألم والرعب المميت. وحين تجلس الفتاة إلى أسرتها في بعض الأحيان ويلوح أمام عينيها ما تخفيه من سر ٍ مشين يمكن أن يعلمه أحدهم بطريقة ما ، ترتجف فرقا ً وهي تتمتم بدعاء حار تسأل الله الستر. كل ذلك كان يتطاير هباء ً حين يأتي المساء فتطير العاشقة إلى معشوقها بغير جناح وتغرق بين الأمواج المتلاطمة فلا ترى من دنياها إلا ذلك العباب. وظل التنازع المؤلم يتجاذبها بين براثنه أياما ً وليالي ففقدت شهيتها للطعام ولم يعد النوم يزور جفنيها إلا لماما ً فهزل جسمها وشحب لونها وهي لا تزال تسير على الطريق المتعرج كما النائم.
ظلت (بريدة) على تلك السيرة ما شاء الله لها أن تظل، إلى أن عقدت العزم على التوبة النصوح والبعد عن ذلك اللهب المشتعل بعد أن أهلكها عذاب النفس، فقررت الرضا بحياتها التي أعدت لها من قبل وتسليم أمرها إلى الله والانتظار مثلها مثل سائر نساء قومها ليوم زفاف ٍ مشهود لا يعرف متى يحين أوانه أو من يكون فارسه ولكنه سيبعدها بالتأكيد عن هذا العذاب ويمنحها المودة والرحمة والسكينة التي وعد الله بها المتقين. وكي لا تضعف وتتراجع الفتاة عن قرارها القويم استقبلت الكعبة الشريفة بوجهها وتوضأت باهتمام ذلك اليوم وهي تستحضر شخص النبي الكريم كما يصوره عقلها وصحابته الأبرار يحفون به ودموعها تنهمر ثم ارتدت زيها الشرعي وحملت مصحفها الصغير وطلبت من أمها أن تصحبها إلى بيت الله الحرام.
هنالك بكت الفتاة كما لم تبك ِ من قبل وهي تناجي الله دون أن تجرؤ فترفع رأسها إلى سمائه، بل ظلت عيناها تلامسان الأرض في تذلل يحفه الإيمان. أخذت الصبية المعذبة تناجي ساكن السماء ودموعها الصادقة تجري على خديها مدرارا ً معترفة بذنبها راجية كريم عفوه طامعة ً أن يعينها على السير في الطريق المستقيم. ثم وضعت الفتاة يدها على المصحف الشريف لتشهد الله وملائكته وحملة عرشه على توبتها النصوح وأنها لن تعود لمثله أبدا ً ثم كرت قافلة ً إلى بيتها وقد احمرت عيناها من كثرة البكاء وهي تحس بالسكينة والاطمئنان بينما غرقت الأم في دهشة ٍ عظيمة ٍ مما يحدث لها.
ولم يكن مثل هذا القرار بالأمر الهين على المارد الذي استيقظ فجأة ً بعد بضع وثلاثين عاما ً من الكمون، إذ كثيرا ً ما كان الجسد المسعور يحاول التمرد على ذلك القرار الجائر، فتتنمل الأطراف وتتهيج بعض المواضع وتلسع بعضها حرارة ٌ مؤلمة ولكن القسم العظيم الذي اقسمته (بريدة) في بيت الله الحرام حيث مقام النبي (إبراهيم) وملائكة الرب، وقف منجاة ً بينها وبين معاودة الكرة. ولم يرض َ الشاب العاشق بخطتها تلك حين أفضت إليه بما عقدت عليه العزم بل ظل يلاحقها بالرسائل الخاصة التي تحتوي على الكثير من العبارات التي تنضح بالإثم. ولم تكن المسكينة تفعل شيئاً سوى البكاء والنواح كلما ولجت إلى "قوقل بلس" ووجدت تلك الرسائل التي تذكرها بما كان منها من ضعف ٍ ممقوت وسقوط ٍ مخز ٍ في غابر الأيام، فتحولت حياة (بريدة) إلى جحيم ٍ مستعر.
ورغم ذلك لم تفكر الفتاة في ترك الموقع والفرار بجلدها من ذلك الماضي الذي أنقض ظهرها إذ أن تلك المدينة الافتراضية أصبحت جزءاً مهما ً منها ، جزءٌ عزيزٌ من عقلها وقلبها ووجودها ، ففي "قوقل بلس" فقط أحست الفتاة بمعنى الإنتماء، ومع سكان "قوقل بلس" وحدهم ذاقت الفتاة حلاوة التقدير من الآخرين وما يثمره التفاعل معهم من سعادة، وعبر "قوقل بلس" لا غيره خبرت الفتاة الاحساس المفعم بالذات ومتعة التفرد بل وجدت لوجودها في الحياة هدفا ً ومعنى. فـ "قوقل بلس" أصبح حياتها التي لا حياة لها غيرها فكيف تترك حياتها لتعود كتلة ً سوداء ساكنة تقضي يومها بين أربعة جدران أو تخرج مخفورة لتتماهى وسط الآلاف من الكتل السوداء المتشابهة. إن مغادرتها لـ "قوقل بلس" تعني موتها غير المعلن، موت روحها.
وحين فاض بها العذاب وأجهدت العقل تلك المطاردة القاسية المثابرة أقدمت الفريسة على خطوتها الجريئة تلك وكأنها تختار الموت ملجأ ً من تلك المطاردة المهلكة والهروب غير مأمون العواقب، فنشرت (بريدة) في ساحة المشاركات للعامة ما يطلبه (الفارس النخعي) منها مصحوبا ً بالرابط الذي يثبت صدق حديثها. وانهالت التعليقات من سكان "قوقل بلس" تستنكر فعل الرجل وتشيد بعفة الفتاة وكرم أخلاقها وصدق تدينها ودعا الكثيرون الله أن يسقي الصبية العفيفة من "حوض الكوثر" جزاء ما حفظت عرضها ودينها. ولكن لم تمض ِ سوى دقاق معدودة حتى جاء رد (الفارس النخعي) على ذاك الاتهام بما يفوق كل خيال. فاجأ الشاب جميع سكان "قوقل بلس" برد ٍّ لم يكن ليخطر لأحدهم على بال. يقول (عبد الله السوداني) وهو يقهقه ضاحكا ً أن ذلك الرد لا بد َّ أن يكون قد فاجأ (إبليس) نفسه. بينما أخذ (الحسن الناصري) يسترجع ويحوقل بعدد أصحاب الإمام (الحسين) يوم الواقعة. فلقد أوضح (الفارس النخعي) أنه ما أراد بذلك الطلب الذي ينكره عليه المنكرون إلا مرضاة الله ورسوله ونصرة آل بيت النبوة عليهم السلام ومذهبهم القويم، إذ كان يريد كما قال أن يسجل على تلك الوهابية ما يشينها من مشاهد التعري ليهددها به إذا ما تعرضت لمذهب آل البيت أو ناصرت فلول "حزب البعث العراقي" أو أحيت ذكرى رئيسه الهالك في مقبل الأيام. قالها الشاب في بساطة فهو لم يأت ِ بجديد بل استعمل سلاحه السري الذي أرغم في السابق أنوف الكثير من الوهابيات على "قوقل بلس" في التراب وجعلهن يتأدبن صاغرات أمام ذكرى استشهاد (أبي عبد الله) عليه السلام ولا يتدخلن بتعليق ٍ يشوش تلك الذكرى المقدسة ولكن قضى الله أن لا تسقط الفريسة في الشرك هذه المرة مثل سابقاتها. هكذا جاء رد (الفارس النخعي).
وهبط البؤس والوجوم على الجميع وهم يطالعون هذا الإيضاح المعتم وفاحت رائحة ٌ منتة ٌ فاءت على "قوقل بلس" وانتشرت في أكثر من عشرين دولة ٍ ليخيم الحزن على آلاف المدن والقرى والفرقان فتئن القصور والفيلات وبيوت الطين وأكواخ القش بالألم والاستنكار. الكثير من الفتيات في تلك الأمسية كن يمررن على المشاركات في ذهول ٍ واجم ويشرن عليها بالإعجاب دون أن يعقلن ما أعجبن به. الكثيرات منهن أغلقن على أنفسهن باب الغرفة من الداخل وأخذن يتابعن ساحة المشاركات ودموعهن تنهمر وقد أسود َّ الكون أمام أعينهن. كان وضعا ً غريبا ً لم يحدث لسكان "قوقل بلس" من قبل فزلزلت الأرض تحت أقدامهم حتى لم يعودوا يعقلون. أقر َّ (حليم المصري) لاحقا ً أنه غرق في نوبة ٍ عارمة ٍ من البكاء طيلة تلك الأمسية وهو يشارك شعبه اعتصامهم في "ميدان التحرير" ويتابع ما يثار على "قوقل بلس"عبر هاتفه الجوال وظن رفاقه المناضلون أنه يبكي طلبا ً للحرية، بينما لم يكن هو يدري ما يبكيه بالتحديد. وأنزل (شاعر العترة الشريفة) قصيدة عمودية صاغها على عجل تحض َّ على مكارم الأخلاق وتذم السفهاء مطلقا ً دون أن يشير إلى خصومه الوهابيين كما درج على ذلك في أشعاره السابقة. الكثيرون من سكان الموقع بعد ذلك أنزلوا مشاركات لا علاقة لها باهتماماتهم في غابر الأيام وما كانوا يبشرون به وكأن ما نزل من خطب قد أفقد عقولهم إتزانها فأبعدها عما كانت تحسبه جادة الطريق إلى ضده. فمن كان يزرع الفرح من قبل في ساحة المشاركات نحا نحو الجدية والرزانة وأخذ يذكر الموت في مشاركاته وعذاب القبر وكأنه يخشى ما يمكن أن يجره عليه مرحه السابق من ويلات. أما الذين لم يعرف لهم من قبل أدنى اهتمام بالإبتسامة والمرح فلقد نحو في مقبل الأيام نحو الفكاهة وترديد الطرائف وكأن ما نزل من خطب أنساهم وقارهم، أو أجبرهم الألم العظيم الذي غرق فيه الجميع على محاولة بذل الجهد لتخفيف حدته. وحتى (الثائر أبو عمار) نسي أرضه السليبة وأحزان اللاجئين والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية لتأتي مشاركاته اللاحقة تتحدث عن الحيوانات الأليفة كالأرانب والقطط وطيور الزينة وطرق تربيتها والاعتناء بها ومقدار ما يمكن أن تدره على صاحبها من أموال. كما لم يلبث (مردوخ) في ساحة المشاركات تلك الأمسية إلا دقائق معدودة لم يهتم فيها بالرد على السب واللعن والتجريح الذي كاله له الكثيرون معلقين على مشاركته السابقة التي تشير إلى بعض الأصول الوثنية للأديان السماوية بل خرج من الموقع بعد اطلاعه على منشور (الفارس النخعي) وهو يحس بالكثير من المرارة ولم يعد إلى ساحة المشاركات إلا بعد أسابيع ٍ عدة.
ينكر (عاشق المختار الثقفي) وجماعته من الموالين أن يكون (الفارس النخعي) من شيعتهم ويقولون أنه وهابي ٌ نجس ٌ يريد أن يلوث مذهب آل البيت عليهم السلام بتلك الفرية. كما يتبرأ منه جماعة (أسد السنة القرشي) وينسبونه إلى خصومهم الشيعة مستدلين على ذلك باسمه وما زعمه من دفاع ٍ عن مذهب التشيـُّع. بينما يصر الشاب على أنه من عترة النبي الأطهار وأن من عادوه الآن وعابوا عليه خطته في الدفاع عن آل بيت النبوة وانحازوا إلى تلك الفتاة الوهابية هم في حقيقتهم نطف ٌ منتة ٌ يعيدون ذات التاريخ القديم مناصرين لأهل الجور والظلم كما فعل آباؤهم حين خذلوا جده (الحسين) عليه السلام وأسلموه لسيف (يزيد) اللعين ، فأخذ الشاب يدعو عليهم وعلى آبائهم لعدة أسابيع بسوء العذاب مستنصرا ً بجدته (الزهراء) وبنيها والسر المستودع فيها. ولكن الرواية التي أخذ بها الجميع كحقيقة بعد عدة أيام وأخذوا يرددونها في يقين ٍ لا يدانيه شك رغم أن لا دليل عليها ولا يعرف من نسجها هي أن (الفارس النخعي) اسم ٌ مستعار ٌ لأحد أحفاد ابن السوداء اليهودي (عبد الله بن سبأ) تسلل إلى "قوقل بلس" ليكمل ما بدأه جده الملعون قبل عدة قرون من اشعال الفتن بين الأخوة في العقيدة. أما (بريدة) فلقد كان ذلك المساء هو آخر عهدها بالموقع وسرت شائعة ٌ تقول أن الفتاة قد تجرعت السم واختارت أن تضع حدا ً لعذابها. ومنذ تلك الأمسية انتشر بين ساكني "قوقل بلس" مصطلحا ً جديدا ً مهولاً ومرعبا ً ، إنه "السلاح السري" كما سماه (الفارس النخعي) فاصبحت العلاقة بين الجنسين تقوم على الكثير من الشك وسوء الظن ويشوبها الخوف والحذر وغير ُ قليل ٍ من التربص.
الصفحات (86 - 95) من رواية (امرأة على قوقل بلس) - "فبراير 2013م - يوليو 2013 م"