التسميات

الاثنين، 24 ديسمبر 2018

في حضـرة ثائـر

1

إنِّي أرفضُ أنْ تصفـوني بالشاعـرْ 
ما قيمةُ هذي الكلمات أمـام َ رفـاةِ الحَسَـنِ الشاطـرْ 
مـا جدوى هاتيكَ الأحـزان أمـام النعـشِ الطاهــرْ 
أترانـا نتسـولُ مجـدا ً في عتبةِ آلآمِ الحاضرْ ؟! 
فأعيذكِ نفسي أن ْ أخلــد َ في ذاكـرة ِ الأحباب ِ كشاعـرْ 
أسألك إلهي أن تحييني ثائـرْ 
أنْ أمضي ثائـرْ 
أنْ أمشي بين النـَّـاس كثائـرْ 
أنْ أُقتـلَ ثائـرْ 
وإنْ كان هنالك يومَ الحشرِ مكاناً منفــرداً للثــُّوارِ 
فاسألك إلهي، أن تحشرَني معهم ثائـرْ ..!

2

لم يكونوا يحمـلـونَ سـوى حناجِـرِهـِم 
وزهــرِ شبابهم وشـذى النفـوسْ 
لم يكونوا يبرعـونَ بغيـرِ حُسـن الفـالِ 
والأمـل ِ الضَّروسْ 
كانت جريرتُهم ملاحقةَ الشمـوسْ 
الحلمَ بالأعيـادِ، بالأفـراحِ في زمـنِ النّجـوس ْ 
أن ْ يرفضوا هـذي النتانـةِ ، 
يرفضـونَ القبحَ والوجهَ العبوسْ 
أن ْ قالوا : لا ..!
الله ُ في عليائه مُتنـزِه ٌ عمـَّا يقولُ الأدعياءْ 
إن َّ البلاءْ،
إن َّ الشقـاءْ، 
صنعتهُ أيـدي الظالميـنَ الأشقياءْ 
كان جريرتهُم نفـاذ َ الصبـرِ من بعـد ِالسـنـينْ 
أنْ اشهروا آلامهَم خضراءَ  في وجـهِ الجنـونْ 
كانت جريمتهم مقاطعةَ المجـونْ 
أن ْ قالوا : لا ..!   
والأنبياءُ الكاذبونْ ،
المفترونَ على الإلــهِ، الضاحكون على الذقــونْ، 
ذبحوهـُمُ ثم َّ استقامـوا يكبـِّرون ..! 
كانت جريمتُهم نقاءَ الصـدرِ والقلبِ العفيــفْ 
أن ْ يصدقوا في حُبِ هذي الأرضِ
والإنسانِ والوطـنِ الحنيـفْ  
حصدتهُـمُ تلك الرصاصةِ في سنـا الحلم ِ الوريــفْ 
تلك التي نبتت ْ على وطني حقولا ً ، 
حينها عـز َّ الرغيفْ ..!
..............
الخرطوم - ديسمبر 2018م

الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

صمتـك قاسـي

صمتك قاسي 
وفي عينيك للصَّمت مراسي
ورغم الليل ومرارة كأسي
ما شكيَّـت في حبك أبدا ً
أو في يوم ظنيتك ناسي
عارف إني حبيبك وأكتر
قلبي دليلي وسر إحساسي
 وعارف إني قريب لي روحك
وإنـِّك قمر الرُّوح الآسي
 
 
وعطر الشوق من أجمل وردة
أحلى عبير مازج أنفاسي          
وعارف كيف قلبك بيهواني
وشايف كيف في بُعـْدي بقاسي
وسامع رغم الصَّمت الباذخ
صوت دقـَّاتو الحالمة أماسي
 
 

وقلبي، الـذاب في ريدك، جنبو

يمسح دمعو، يحن ويواسي
ليه بتعاند وتنكر ريدك
وليه بتخون نبضك يا قاسي ؟!
...........
الخرطوم - نوفمبر 2018م

الخميس، 15 نوفمبر 2018

اتمنى ألقاك المسا

اتمنى ألقاك المسـا
رويانة بي عطر الجلال
توب الجمال بيك اكتسى
شوق السنين، قمر الحنين
يتهادى في عينيك رِسـَا
ما إنت شايف لهفتي 
وكيف الزَّمن عاند، قسـا
أتمنى ألقاك يا وديع
يا طفل في الغيم اتنسى 
يا رايعة زي لمسة حنان
ورقيقة زي طيف الأسى
يا بهجة الصِّبا والصباح
كيفن لقاك، ليت َ وعسى
شفت الفراش يغري الزّهور
يحضن عيونا، يآنسـا
يتمد َّ في عمق الحضور 
والرَّيدة بالشوق يهمسـا 
كيفن قـِدِر يتلالى نور
في حضرة أجفان ناعسة ؟!
اتمنى ألقاك المسـا ..!
.................
الخرطوم - نوفمبر 2018م  

الخميس، 1 نوفمبر 2018

حالة حضـور

في غيابك إنت حاضـر 
تملأ عيـن الدنيـا نـور 
جنبي شايفـك يا حبيـبي
زاهـي ريـَّان الجـذور 
ماكا غايـب يا حبيـبي
ما الغيـاب حـالة حضـور..!

ابتسامتـك يا حبيـبي

همسـة مـن إشـراق ونـور
يلا نتمشـَّى ونسـامر
روعـة الأمـل الصبـور
إيدي في إيـدك تقالـد 
دهشـة الحـس والشعـور 
إنت حاضـر يا حبيـبي 
ما الغيـاب حالة حضـور..!

صبحنا الحالم معالم

ولسَّه قدامنا النـّذور
زهرة نديانـة ومسالمـة
واعـدت أحلى العطـور
ماهـو غايـب وماها غايـبة 
حاضرة في نبـض البـذور
يا حبيـبي إنت حاضر 
ما الغيـاب حالة حضـور..!
.........
الخرطوم - نوفمبر 2018م 

الأربعاء، 17 أكتوبر 2018

لأنـِّك جميلـة



لأنـِّك جميـلة ودواخلك سـلام
عيونـك عـوالم، معـالم، وسـام
مقامـك يقـالـد عيـون الغمـام
يكاتف يلاطف جمـال القـوام.





 
لأنـِّك جميـلة وعيونـك ســلام
 يسامر حضورك هديل الحمام
يناغمك يزورك شفيـف الكلام 
بريدك ، بدورك يا أجمل غرام.




 
لأنك مَحنـَّة ومَحبـَّة ووئـام
تفارق عيونك وريف المنام
 تسافر تدافر جيوش الملام
تهدهد ظنوني وتهش الضلام.
.................
الخرطوم - أكتوبر 2018م

الاثنين، 15 أكتوبر 2018

الشوف الوافي

 
يا عينيـن حلـوين عـوَّافـي 
يا مهـد الأحـلام الدافـي
يا أروع عصفـورة حنيـنة
همسك صحـَّا القلـب الغـافـي 
سافـر جـوَّه رموشـك مُنيـة 
وفرحان بيـك يا أحلى مرافـي ..!



 
كم دارينـا وكم خبـَّينـا
شوف الشـوق والشوف الوافـي
وكم أنكرنـا في أحلـى سمرنـا
دفـق الروح والنبـع الصـافـي
إلا محـال الرَّيـد يتـخبـَّأ
وهمـس الرُّوح للـرُّوح ما خـافـي ..!

 

 
يا مرسى الأحـلام الحلـوة 
يا بستان النور الحافي  
شفـت المـوج في بحـرك ضفـَّـة
وكلَّ الكـون من غيرو منافـي ..!
......
الخرطوم - أكتوبر 2018م

الثلاثاء، 7 أغسطس 2018

شيء ٌ مـا

شيء ٌ ما يتكسـَّر ْ ،
شيء ٌ حلو ٌ ، سُكَّـر ْ ،
يتعثـَّر ُ ، يسـْقط ُ ، يتكسـَّر ْ
ورحيق ُ الوردة ِ يتبعثـر ْ ..!

شيء ٌ ما يتحطـَّم ْ ،
شيء ٌ مُلهـَم ْ ،
شيء ٌ أعظـَم ْ ،
أسمعـُهُ يتأوَّه ُ ، يتألـَّم ْ ،
يتهشـَّم ْ ،
كصياح ِ زجـَاج ٍ في ليل ٍ معـْتـم ْ ..!

شيء ٌ ما يتلاشى ،
شيء ٌ قـد ْ كان ْ..!
شيء ٌ فتـَّان ْ..!
يسقيـنا حبـا ً ،
يهديـنا دربـا ً ،
عَـذب ٌ في طعـم ِ الأحـزان ْ..!
يتلاشى سربـا ً ،
ونراه ُ قلبـا ً ،
يخبـو في بوح ِ الأكوان ْ..!
شيء ٌ منـَّا ،
شيء ٌ فينـا ،
شيء ٌ نحن ُ
يتلاشى ، يزوي ، يحتضر ُ الآن ْ ..!
شيء ٌ من ْ قبـَس ِ الأزمان ْ ..!
قد قيل َ له : كن شفقا ً في عمق ِ الروح ِ ،
فكان ْ ..!
ينتحب ُ الآن ْ ..!
يحتضر ُ الآن ْ ..!
يتلاشى ، يزوي ويذوب ُ ،
فيهوي ظل ُ الإنسان ْ ..!
.........
الخرطوم - يوليو 2018م
نشرت بتاريخ سابق هنا  






الأحد، 22 أبريل 2018

كموجـة ٍ مبلّلة

كما النـَّدى على ضِفاف ِ وردة ٍ مُبجَّلة ْ ،
كنجمة ِ الصباح ِ في المـَدى وحيدة ً مُدلَّلة ْ ، 
كفكرة ٍ مزلزِلة ْ ،
جئت ِ يا صغيرتي فارعة ً ومُذهلة ْ 
ثم اختفت ْ طلائع ُ الأحلام ِ يا حبيبتي
كموجة ٍ تموت ُ عند مهدِها مبلَّلة ْ ..! 
من ْ أخبرك ْ بأن َّ دمعة َ السـِّراج ِ سنبلة ْ ؟!
وأن َّ زهرة ً تأبطت ْ ذراع َ عاشق ٍ 
فغرَّد الحنين ُ مُقبلا ؟!
من ْ أخبرك ْ بأنها نبيلة ٌ، حبيبة ٌ، حزينة ٌ ومُثقـَلة ْ ؟! 
وكيف تحملين ْ عطرَها وتزهرين ْ مثلها
وترقصين ْ فوق َ أعين ِ الهوى مُجلجِلة ْ ؟!
هل قاسمتك ِ سرَّها الصغير َ حين أصبح َ الوجود ُ خَرْدَلة ْ ؟!
كفكرة ٍ مُزلزِلة ْ ،
جئت ِ يا حبيبتي فارعة ً ومذهلة ْ 
ثم اختفت ْ طلائع ُ الأحلام ِ يا صغيرتي 
كموجة ٍ تموت ُ عند مَهدِها مُبلَّلة ..!
وكان مشهد ُ الشروق ِ غامرا ً وسَلسـَلا ،
وكنت ُ حين يزهر ُ الكروم ُ أَسرب ُ الخيال َ جدولا
وامتطي حلاوة َ الرؤى وأحمل ُ الجوى
ولم يكن لدي َّ دون َ صدرك ِ الحبيب ِ مَوْئـِلا
هل أينع َ الكروم ُ حينها
أم أن َّ شـارة َ الهوى مضلَّلـِة ْ ؟!
كفكرة ٍ مُزلزِلة ْ،
جئت ِ يا صغيرتي فارعة ً ومذهلة ْ
ثم أختفت ْ طلائع ُ الأحلام ِ يا حبيبتي 
كموجة ٍ تموت ُ عند مهدها مبلَّلة ْ ..!
في داخل ِ القلوب ِ وردة ٌ مُحجـَّلـَة ْ
وردة ٌ تكون ُ للحنين ِ مَنـزِلة ْ
موضع ٌ تقوده ُ الأمطار والأقمار ُ والشموس ُ والرؤى ،
تمور ُ عند شاطئيه مِرْجـَلا
موضع ٌ به الجراح ُ والندوب ُ 
والسهام ُ والملام ُ والأسى
به الحنين ُ والأنين ُ، 
بهجة ُ الصباح ِ، روعة ُ المسا
وبعض ُ ذكريات ٍ مُهمـَلة ْ
فإن غفـَا أو انتفى أو اختفى أو انطفا
أو أخرس َ المـَلال ُ بُلْبُلـَه ْ
ستنتفي وتختفي طلائع ُ الأحلام ِ يا حبيبتي 
ويطفئ ُ الحنين ُ مَشعلـَه ْ
تموت ُ طاقة ُ الهوى كموجة ٍ تموت ُ عند مهدها مبلَّلة ..!
.....................
الخرطوم - أبريل 2018م
نشرت بتاريخ سابق هنا

السبت، 31 مارس 2018

لكنها الأيام

لكنها الأيام ُ تبعدنا ونمضي في الزِّحام ْ
وتضيع ُ صورتـُنا الحبيبة ُ في دهاليز ِ الملام ْ
ونعود ُ نبكي حلمنا من بين أسراب ِ الحطام ْ
ونظن ُ أن َّ الكون َ يستعدي على أرواحِنا وحشَ الظلام ْ
لكنها الأيام ُ تجمعنا ويدركنا اِلتـِئام ْ

فهناك عند الغيب ِ ينضج ُ حلمنا الآتي 
ويدنو ثم يرنو ثم ينفرط الزِّمام ْ 
لنعود َ نشرق ُ ضاحكين ، يعود ُ يغمرنا السَّلام ْ
يا هذه البنت ُ التي جاءتْ على كفِ الغمام ْ
يا حلوة َ العينين ِ مشرقة َ القوام ْ
ما بيننا سحر ُ البنفسج ِ حين َ يفترش ُ الوئام ْ
ما بيننا زهو ُ اليراعات ِ الصغيرة ِ عندما يخبو الكلام ْ
ما بيننا قبس ٌ سماوي ٌ وقلب ٌ مستهام ْ
ما بيننا عطش ٌ خرافي ٌ يقود ُ الروح َ في ثغر ِ المسام ْ
البحر ُ والزيتون ُ والشغفُ المسافرُ والحمام ْ

 وأتى المساء ُ ولاحت ْ الذكرى  وأطياف ُ المُدام  ْ
وتكشـَّفت ْ سيقان ُ أشواقي ولم أرجو احتشام ْ
ما عاد َ في ليلي سوى "ليلى" وشقشقة ُ الهُيام ْ
يا هذه الحوراء ُ علياء ُ المقام ْ 
ما عادتْ الأيام ُ إلا طفلة ً تحنو على سرب ِ اليمام ْ
ما عادَ للأحزان ِ من أمل ٍ ولا طيف ِ ابتسام ْ
ما عادَ في الدنيا سوى روحين يصطخبان ِ ضما ً  واِلتـِزَام ْ
فلتزهري ولتنثري للكون ِ أحجية َ الغرامْ.
....................................
الخرطوم - مارس 2018م
الرسومات المصاحبة للفنانة : مبروكة عبد الهادي
نشرت بتاريخ سابق هنا

السبت، 3 مارس 2018

هكذا اختفى عبد الله المستنير

الناظر إلى "عبد الله المستنير" في جلسته إلى جانب خطيبته "نسرين" قرب النهر تلك الليلة لا يرى سوى عاشقين متيمين يتبادلان النجوى على ضوء القمر، يشكوان لبعضهما حرارة العاطفة وعذاب الحنين، ولكن يبدو أن هذه نصف الحقيقة، إذ أدنت الفتاة رأسها من صدر حبيبها وهمست قائلة ً وعيناها ترحلان بعيدا ً :
- انظر إلى هذا الفضاء العميق، تأمـَّل هذه النجوم الجميلة، يا إلهي، كم هي جميلة ..!
ولم يصدر عن "المستنير" ما يشي بأنه قد سمع العبارة، فاسترسلت الفتاة قائلة :
- إنها تجعلني أشعر بالحنين، أتوق إلى الاحتواء، تلك النجيمات البعيدة الغارقة في الصمت وكأنها .......
ولم يتركها "المستنير" تكمل عبارتها بل قاطعها متعجلا ً بقوله :
- نعم صحيح، ولكن العلم أثبت أنها عبارة عن صخور ملتهبة وغازات ساخنة. الإنسان البدائي كان يخافها خاصة ً حين تسقط شهبا ً ونيازك، فقدَّسها البعض وشيـَّدوا لها معابد وقدموا القرابين. هل تعلمين أن معظم هذه النجوم قد أفل منذ ملايين السنين ؟! نعم ، إنها غير موجودة وما نراه الآن ليس هو النجم إنما هو ضوءه استغرق كل هذا الوقت ليصل إلينا فسرعة الضوء تساوي ........
وأخذ الشاب يحلل ويحصي ويجمع ويطرح ثم عرج على بعض الديانات القديمة التي ارتبطت بالكواكب والنجوم والفتاة تتابع كلماته وقلبها يعتصره الألم.
وكان بقربهما جنيـِّة ٌ شابة ٌ تستلقي إلى جانب حبيبها على الرمل الأبيض تتابع حديثهما بالكثير من الاهتمام. وحين وصل الأمر إلى هذا الحد همست ْ في أذن رفيقها الذي كان ينام بقربها على الرمل قائلة :
- استيقظ يا "جوسان" ، قـم لتسمع هذا الهراء الآدمي.
فتح الجني الشاب عينيه بتكاسل ثم ألقى نظرة ً على الحبيبين الجالسين بقربهما وأرهف سمعه، ليأتيه صوت "نسرين" وهي تخاطب حبيبها وقد رق َّ صوتها حتى غدا كالهمس :
- يقولون أن عيني جميلتان، لقد ورثتهما عن أمي، يقول أبي أن زرقتهما هي سر جمالهما وسحرهما وأن أمي كانت ......
قاطعها "المستنير" بقوله وهو يضغط على نظارته الطبية بإصبعه :
- نعم، قديما ً كان الإنسان يعتقد أن للعين قدرات سحرية وأن لها تأثير مادي على  الأشياء من حولها وإلى يومنا هذا يعتقد بعض الناس أن ........
ولم يتمالك الجنيان الشابان نفسيهما فاطلقا ضحكة ً صاخبة ً تردد صداها خلف النهر الساكن حزينا ً وموجعا .
وواصل عبد الله حديثه قائلا ً :
- الاعتقاد في العين والسحر والجن والشياطين ما هو إلا نتاج للجهل. الجن والشياطين اخترعتهما مخيلة الانسان البدائي حين عجز عن تفسير بعض الظواهر الطبيعية. لا وجود للسحر، لا وجود للعين، لا وجود للجن والشياطين، العلم وضع كل شيء في مكانه الصحيح ولا مكان للأسطورة بعد اليوم.
وعم َّ الصمت طويلا ً بعد هذه العبارة ثم هبـَّت ْ نسمة ٌ باردة ٌ اضطرب لها وجه النهر فعادت "نسرين" تهمس وهي تغوص في عيني حبيبها بحنان :
- أحبك، أحبك كثيرا ً واشتاق إليك وأنت بعيد وأشتاق إليك وأنت بقربي، حبك هو ................
- وأنا أحبك. الحب عاطفة جميلة والكثير من الديانات والمذاهب قامت على الحب وتقديس عاطفة الحب، الحب عاطفة جميلة ولكن في حقيقتها وسيلة لغاية ٍ أخرى، غاية ٌ هامة ونبيلة هي التناسل، نعم، الأنواع الأخرى في المملكة الحيوانية واضحة وصريحة إذ تقودها الرغبة ولها موسم تزاوج معين يأتي في زمن ٍ محدد فينجذب الذكور إلى الإناث ويتم التزاوج بسهولة ودون أي تعقيد. لكن الانسان بطبعه يميل إلى الوهم ويأثره الخيال فيظل يلوِّن الصور في خياله ويمنحها أبعادا ً غير حقيقية، ولكن تظل المحصلة النهائية للحب هي التزاوج وحفظ النوع من الإنقراض.
ولم يتمالك الجني "جوسان" نفسه فصرخ :
- يقرضك بلاء يطلـِّع روحك.
وعادت "نسرين" لتقول وهي تقاوم دمعة ً أبت إلا أن تسقط على خدها الحزين :
- ولكنه إحساس جميل وعظيم، يجعلنا نحلـِّق كالفراشات، يحيل كل الدنيا في أعيننا إلى واحة خضراء، إلى جنة، الإحساس بالأمان الناتج عن العناق، طعم القبلة اللاذع، الحلم بـ ..........
- كلها تصورات وتوهُّم، الإنفعال الذي تتركه القبلة كما يقول العلم هو نتاج لتفاعل مادتين كيماويتين تفرزهما الشفاه عندما تصل الرغبة حدا ً كافيا ً ونتيجة لذلك فإن .............
ومضى "عبد الله" في حديثه يشرح ويفسـِّر ويفترض ويثبت ويدحض بحماس والجنيان الشابان يتابعان كلماته والدهشة تعقد لسانيهما، أخيرا قال "جوسان" لرفيقته :
- أظن أنه يعذبها كثيرا ً، سيحيل حياتها إلى جحيم.
- ليس حياتها فقط يا حبيبي، هذا نبت ضار سيحيل حياة كل من تلتقي به إلى عذاب.
قالتها وهي تشير بعصاها السحرية نحو الشاب ليومض البرق ويختفي "عبد الله المستنير" إلى الأبد.
- لماذا القطب الجنوبي يا حبيبتي ؟!!
تساءل "جوسان" وهو يقهقه صاخبا ً ، لترد رفيقته بحزم :
- إنه المكان المناسب لأمثاله.
- والفتاة ؟!
- ستحزن قليلا ً ومن ثـّم َّ ستجد من يستحقها ويسعدها.
ردت الجنية الشابة وهي تضرب بجناحيها في الهواء لتحلـِّق إلى جانب رفيقها برشاقة ٍ ومن ثـّم ينطلقان إلى البعيد وضحكاتهما العابثة تضمـِّخ الكون.
 الخرطوم – مارس 2018م
نشرت بتاريخ سابق هنا