التسميات

الاثنين، 26 أغسطس 2013

الإعجـاز العلـمـي في القـرءان الكـريـم على ضوء وعـي المخاطـَب

  ووعي المخاطـَب يمكن تلخيصه لأجل هذا المقال في أنه جماع الخبرات الثقافية والاجتماعية واللغوية التي تمكن الانسان من إدراك الخطاب وفهمه واستيعابه والتفاعل معه. وأهم ما يركن إليه الخطاب هو اللغة المستعملة فلا يمكن أن تخاطب قوما ً بلغة لا يفهمونها وإلا بطل الخطاب. وفي اللغة نفسها لابد أن تستعمل القاموس السائد وسط الجماعة المستهدفة بالخطاب وإلا أشكل عليهم بعض أو كل مما جاء بالخطاب وهذا القاموس هو نتاج حياة تلك الجماعة وتطورها المعرفي الخاضع للاجتماعي الاقتصادي الثقافي المحدود بتلك البيئة وذلك الزمان. فلغة الريف مثلا ً ليس هي لغة المدينة ودلالات الكلمات والعبارات تختلف من منطقة إلى أخرى. بل إن المنظومة القيمية نفسها تختلف بإختلاف المكان فلكل منطقة قاموسها الأخلاقي وحكمها وأمثالها وقصصها وأساطيرها التي شكلت جزء من وجدانها المعرفي كما أن الكثير من الكلمات في ذات الرقعة الجغرافية تكتسب بمرور الزمان معان ٍ ودلالات جديدة قد تقترب أو تبتعد عما كانت عليه قبل مئة عام مثلا ً أو قد تموت الكلمة نفسها ويستعاض عنها بأخرى وحيث أن الخطاب لابد أن يراعي كل تلك العوامل حتى يحقق أهدافه التي قيل من أجلها ينبني على ذلك أن المخاطبين به هم الأدري بخفاياه والأكثر فهما ً ووعيا ً بمقاصده مع مراعاة الفوارق في درجة الوعي بين أفراد ذلك المجتمع وكسب كل منهم من المعارف المتاحة كما ينبني على ذلك أيضا ً أن المحدد الأساسي لفهم ذلك الخطاب لاحقا ً أو عند تصديره إلى رقعة جغرافية أخرى هو وعي المخاطبين في زمان ومكان الخطاب. 
   ورغم أن القرءان الكريم هو خطاب الحق عز وجل (المطلق غير متناهي العلم والمعرفة) ولكن وعي المخاطـَب القاصر لحظة نزول الخطاب يقيد ذلك العلم والمعرفة اللامتناهيين ليأتي الخطاب في لغته وقاموسه يماثل وعي المخاطب حتى يتمكن من الانفعال به والتفاعل معه وفهم ما جاء فيه واستيعابه واكتساب ما فيه من معارف ومن ثم الالتزام به على ضوء كل ما سبق. وبالتالي فإن أي تفسير لاحق لآي الذكر الحكيم يتجاوز وعي المخاطبين في ذلك الزمان والمكان الذي نزل فيه القرءان الكريم يصبح سباحة في الظلام إن لم يكن إفتراء على الحق عز وجل وتحريف قوله دون أي سند سوى العاطفة الجياشة التي قد يكون محركها النية الحسنة لنصرة الاسلام. ولكن لا أظن أن ذلك يشفع لفاعله إذ أن تفسير الآيات الكريمة بصورة خاطئة والبعد بها عما أراد لها الشارع الحكيم من مقاصد ينتج عنه تحريف تلك الآية معنى ودلالة مما يعني تعطيلها (وإن بقيت الآية بين دفتي المصحف برسمها ولفظها) وهذا في نتيجته النهائية يعادل وضع آية جديدة وإضافتها للكتاب الكريم وفي ذات الوقت حذف آية أخرى.
  وجماعة الإعجاز العلمي في تقديري لا يسلمون مما سقناه بعاليه من تحريف الآيات وصرفها عن مقاصدها التي أراد لها الشارع مهملين جوهر الخطاب القرءاني فيها ليشغلوا أنفسهم ومن حولهم بتشبيه جاء ليقرب المعنى لذهن المخاطب (مثلا ً) فيتوهمونه إعجازا ً علميا ً يتوافق مع الحقيقة العلمية المكتشفة فينثنوا مهرقين الكثير من المداد متلاعبين بالألفاظ والكلمات والعبارات داخل الخطاب القرءاني ضاربين بمعانيها ودلالاتها عرض الحائط ليصلوا إلى نتيجة معدة مسبقا ً فالامتحان مكشوف (إذ أن الاكتشاف العلمي الذي يراد تفصيل بدلة له قد أصبح حقيقة ً ماثلة أمام الجميع ويمكن أخذ مقاساته بكل سهولة). 
   هذا هو واقع هؤلاء الإخوة وطريقة عملهم إذ لم نسمع بأنهم قد سبقوا العلم التجريبي يوما ً بإكتشاف أو حتى (بصصوا) أحد العلماء ليصل إلى اكتشاف جديد رغم الزخم الذي يلقونه عندنا وما يخصص لهم من الأموال والأنفس والثمرات والمباني لأجل ذلك ولن يستطيعوا مهما فعلوا، إذ أن الخطأ في الفكرة نفسها (التعامل مع القرءان كمرجع يحوي حقائق علمية) - وربما كانت ردة فعل لتخلفنا وعجزنا في هذا المضمار - إذ أنها بنيت على فهم مغلوط حول حقيقة الدين ومقاصد القرءان فلقد فات على هؤلاء الإخوة أن القرءان الكريم لم يتنزل ليصبح مرجعا ً علميا ً تطبيقيا ً وليس في آياته ما يشير لهذا الهدف كما لم يقل أي من السابقين الذين نزل القرءان بظهرانيهم ذلك وإنما هو كتاب توحيد وأخلاق في المقام الأول نزل على (محمد) صلى الله عليه وسلم (الهادي، الشاهد، المبشر، النزير، الداعي إلى الله) بلغة العرب وقاموسهم المتاح في ذلك الزمان مستخدما ً ما تعارف عليه القوم من أساليب بلاغية كالمجاز والتشبيه والتورية وغيرها، استخدمها في بلاغة عالية لتوصيل رسالة التوحيد وتقريب معانيها إلى ذهن المخاطبين لهدايتهم إلى الطريق القويم في الاعتقاد والمعاملات وتنظم شئونهم الانسانية فتستقيم حياتهم وينالوا الجزاء على ذلك في الآخرة وليس العلم التجريبي من جملة اهتماماته. وحتى ما ورد في هذا الخصوص من الآيات الكريمة التي يجوز عليها أن توصف بالحقيقة العلمية (حسب التقسيم الذي ظهر لاحقا ً) لم تكن تمثل كشفا ً معرفيا ً جديدا ً يكون غاية في حد ذاته وإنما كان من المعارف المتاحة في ذلك الزمان فبنى عليها الشارع الحكيم تشبيها ً أو تورية أو غيرها من الأغراض اللغوية البلاغية لأجل غاية توحيدية أو أخلاقية أخرى مما يدعو إليه دين الاسلام ونزل لأجله ذلك لتقريب الفهم  أو أخذ العظة والعبرة والحكمة منها ولم ترد أبدا ً كحقيقة علمية. ومن هنا فعبارة (إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) لم ترد كحقيقة حتى يقوم أحد العلماء بتحليل نسج العنكبوت في المعمل ليثبت صحة أو خطأ ذلك الجزء من الآية. إذ أنه من الواضح أن الآية الكريمة تعتمد وعي المخاطب الذي يعتقد ذلك وتستعمل ذلك الاعتقاد لتقريب مفاهيم جديدة مشبهة هذه بتلك فمقصد الآية الكريمة ليس التأكيد على ذلك الفهم الشائع أو المتاح حول بيت العنكبوت أو نسجه فغرضها توحيدي محض فلقد أراد الشارع الحكيم أن يشبه حال الذين اتخذوا من دون الله أولياء ويقرب الفهم إلى ذهن المخاطب حتى يتمثل حال من اتخذ دون الله وليا ً. فما دام أن وعي المخاطب أو الوعي المتاح له يقول أن (أوهن البيوت هو بيت العنكبوت) فليس هنالك تشبيه أبلغ عنده يوصف حال من اتخذ وليا ً دون الله من هذا التشبيه. (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ). وبالتالي لسنا مطالبين أن نؤمن بأن أوهن البيوت هو بيت العنكبوت فهذه الفقرة لغوية بلاغية (تشبيه) وإنما مطالبين بأن لا نتخذ دون الله أولياء وهو الأساس الذي نزلت الآية لأجله متوافقة مع مقاصد الدين وأسباب الرسالة. وينتج عن ذلك بطلان الحديث عن الإعجاز لدى الإعجازيين في الآية وأيضا ً بطلان الطعن في صحة عبارة (أوهن البيوت لبيت العنكبوت) كحقيقة. فليس هنالك ما يهز إيمان المسلم إذا أثبت العلم أن بيت العنكبوت ليس أوهن البيوت مثلا ً أو أثبت أن الحبل المصنوع من نسجها أقوى من الحديد الصلب فلقد كان المحمول الأساسي في الآية الكريمة هو حقيقة توحيدية يراد توصيلها إلى ذهن المخاطب وتم تقريبه بتشبيه يلائم وعي المخاطب (الذي يمكن أن يطابق الحقيقة أو يخالفها). وقس على ذلك ما يورده الإخوة الإعجازيين من إعجاز علمي آخر لا يسنده سوى تلاعبهم بالألفاظ والعبارات فستكتشف أن ما يدعى بإعجازه هو من المتاح عند المخاطبين حسب وعيهم في ذلك الزمان وورد في الآيات ليس لتأكيده أو تصحيحه أو نفيه وإنما جاء لتقريب المعنى تشبيها ً أو تورية أو بغرض التفكر والتدبر لتوصيل الحقيقة التوحيدية أو القيمة الأخلاقية التي يريد لها الحق عز وجل أن تسود بين عباده.
الخرطوم – أغسطس 2013م

الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

جارك القريب ولا ولد أمك البعيد - حول تسفيه الوطنية – صعوبات قانونية

   كثيرة هي الصعوبات القانونية التي تقف عائقا ً في طريق من يعتمد منهجا ً يستبعد الوطن كأساس لتأسيس الدولة ولا يعترف بالمواطنة كمنشيء للحقوق معتمدا ً على الدين أو العرق أو الطائفة كأساس للحقوق والواجبات والامتيازات وأبرز من يواجهون بتلك المصاعب والتحديات هم الأحزاب والجماعات الاسلامية، إذ أن منهجهم كما أسلفنا  في مقال سابق يقوم على التمايز بين مكونات الشعب على أساس الدين وعدم الاعتراف بالوطن بحدوده السياسية الموجودة حاليا ً وبالتالي فإنهم مطالبون بإعادة صياغة القوانين الوطنية على أساس ذاك المنهج أو ما يسمى بأسلمة القوانين وهي مهمة جد عسيرة إن لم تكن من المستحيلات. ومن أبرز الحقول التي تظهر فيها تلك الصعوبات وتؤدي إلى تناقض هؤلاء الإخوة مع منهجهم هي صياغة القوانين التي تحمي الدولة أو مايسمى بـ(الجرائم الموجهة ضد الدولة) وهي الجرائم التي تحاك ضد أمن الدولة واستقلالها وسيادتها على إقليمها (أرض – بحر – جو) من أي شخص كائن من كان سواء من الوطنيين أو الأجانب وهي بطريقة غير مباشرة تحمي السلطة القائمة حينئذ ٍ. ومن طبيعة هذه المواد كما هو ملاحظ أنها تتأسس على الاعتراف بالولاء للوطن كرقعة جغرافية وحدود سياسية وشعب وصيغت من أجل حمايته فهي لا يهمها دين المواطن أو مذهبه أو طائفته عكس ما يقوم عليه الاسلام السياسي، وتعاقب أي شخص يتعدى على الوطن بهذا المفهوم وبالتالي هي تعاقب الإسلاميين أنفسهم إذا ما تخابروا مع إخوتهم في الله من الأحزاب والجماعات والحكومات الاسلامية في الدول الأخرى أو التنظيم العالمي بصورة تضر بأمن الوطن من أجل تحقيق أهدافهم المشتركة.  ورغم ذلك التهديد الخطير الذي تشكله مثل هذه المواد للأحزاب والجماعات الاسلامية ووقوفها في وجه برامجهم إلا أننا نجدهم يعتمدونها في قوانينهم بذات صياغتها "العلمانية" مثلهم مثل جميع دول العالم مسلمها وكافرها. ولنأخذ مثالا ً على ذلك وليكن من (السودان) الذي تبرز أهميته في أنه الدولة الوحيدة في المنطقة التي ينفرد بحكمها الاسلاميون لما يقرب من ربع قرن من الزمان "في حيازة ٍ هادئة ٍ ومستمرة ٍ دون انقطاع" وتمت أسلمة القوانين فيها (كأكمل ما تكون عليه الأسلمة). فالقانونيون السودانيون بما فيهم الإسلاميين من أبرز القانونين في المنطقة والكثير من قوانين ودساتير الدول العربية تم وضعها بواسطتهم). ولنأخذ مثالا ً لمادة واحدة فقط من هذا الباب وهي المادة 53 من القانون الجنائي السوداني 1991م والتي تنص على:
(يعد مرتكبا ً جريمة التجسس على البلاد ويعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة أقل مع جواز مصادرة جميع أمواله من يتصل بدولة أجنبية أو وكلائها أو يتخابر معها أو ينقل إليها أسرارا ً وذلك بقصد معاونتها في عملياتها الحربية ضد البلاد أو الاضرار بمركز البلاد الحربي. فإذا لم يكن التجسس بذلك القصد ولكن يحتمل أن يضر بالبلاد سياسيا ً أو اقتصاديا ً يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز عشر سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا ً). أ.هـ
وعلى الرغم من تكرار كلمة البلاد (الوطن) في هذه المادة أربع مرات كما أن المادة نفسها ترد تحت هذا العنوان: (التجسس على البلاد) إلا أن ما يهم مقالنا هذا هو عجز المادة الذي يبدأ بعبارة: ( فإذا لم يكن التجسس بذلك القصد ...). بمعنى أن الفاعل كان (قصده شريف) وتم التخابر لأهداف نبيلة كنصرة دين الله في (مصر) أو (فلسطين) مثلا ً والذي هو في نهايته تخابر مع إخوته في الله  لنصرة المنهج الاسلامي التي لا تحده الحدود ولا يعترف بالوطن بل يكون كامل ولائه للإسلام والمسلمين ورغم ذلك يجرِّم القانون الاسلامي السوداني هذا الأخ (المؤمن المخلص) الذي يعمل من أجل (إعلاء كلمة لا إله إلا الله وسيادتها في الأرض) ويعاقبه بعقوبة السجن لمدة لا تجاوز عشر سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا ً وهذا يهدم أساس الرؤية الاسلامية التي تقوم عليها الأحزاب الاسلامية. 
  ولا يظنن أحد أن زملاءنا القانونيين الاسلاميين السودانيين قد قصروا في صياغة هذه المادة أو فات عليهم ما ذكرته بعاليه من معاقبتها لإخوتهم في الله إذا ما عملوا وفقا ً لما يمليه عليهم منهجهم - لا أبدا ً فهذا التناقض من البديهيات – ولكن ليس هنالك أي سبيل لأسلمة هذه المادة أو أي من مواد هذا الفصل التي تحمي الدولة. فالمادة هذه بصياغتها تلك صحيحية وسليمة مائة بالمائة وتحقق هدفها على أكمل وجه دون أي ثغرات قانونية ولكنها مستوردة من منهج آخر ورؤية مخالفة لاتتطابق إلا معها وبها وهي الولاء للوطن قبل كل شيء وترجمة هذا الولاء والإعلاء حقوقيا ً. فهذه المادة لا تعمل إلا في ظل الوطنية وما ينتج عنها من نظام سياسي حقوقي لا يحفل بالدين أو العرق أو الطائفة، تلك الرؤية التي لا تعترف بها الجماعات والأحزاب الاسلامية ويقوم برنامجهم على نقيضها وقد يكفر بعضهم معتنقيها. ورغم ذلك يعتمدونها مجبرين لتكون في صلب قوانينهم إذ لا يمكن إلغائها وإلا على الدولة والسلطة السياسية القائمة السلام، كما لا يمكن تعديلها لتتطابق مع المنهج. ونلاحظ أنه لأسلمة تلك المادة في القانون المذكور والقوانين الشبيهة في الدول الأخرى يجب حذف كلمة الوطن أو البلاد واستبدالها بكلمة المسلمين. ولنفعل ذلك معا ً ونرى النتيجة:  
المادة 53 التجسس على المسلمين:
(يعد مرتكبا ً جريمة التجسس على المسلمين ويعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة أقل مع جواز مصادرة جميع أمواله من يتصل بالكافرين أو وكلائهم أو يتخابر معهم أو ينقل إليها أسرارا ً وذلك بقصد معاونتهم في عملياتهم الحربية ضد المسلمين أو الاضرار بمركز المسلمين الحربي. فإذا لم يكن التجسس بذلك القصد ولكن يحتمل أن يضر بالمسلمين سياسيا ً أو اقتصاديا ً يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز عشر سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا ً). أ.هـ
ورغم أن المادة بصياغتها الاسلامية السياسية المقترحة تلك تبدو للقانونيين (حتى الاسلاميين منهم) طريفة ومضحكة ولا معقولة ولكن قد يراها بعض الإسلاميين (من غير القانونيين) عشرة على عشرة، لذا يجب أن نقوم بتفكيكها لمعرفة على من تطبـَّق. وأول الأسئلة لكي يتم تطبيق المادة على المخالفين يجب أن نعرف معنى كلمتي (المسلمين) و(الكافرين) ماذا تعني هاتين الكلمتين حتى نعرف حدود تطبيق المادة ومن تعاقب.
والمسلمون لفظ عام يستغرق جميع أفراده من غير تخصيص وهم الأشخاص الطبيعيون (النوع الآخر من الأشخاص هم الأشخاص الاعتباريون كالشركات والمنظمات والهيئات والحكومات والدول التي لا يتصور اعتناقها لأي دين) الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا ً رسول الله ... إلخ في كافة بقاع الأرض. والكافرون أيضا ً لفظ عام يستغرق جميع أفراده من غير تخصيص وهم الأشخاص الطبيعيون الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا ً رسول الله ويعتنقون دينا ً آخر .. إلخ في كافة بقاع الأرض. فإن كان هذا هو الفهم الصحيح لكلمتي مسلم وكافر وهو كذلك (ومع تجاوز استحالة هيمنة الشرطة السودانية والقضاء السوداني على كل مسلمي وكافري العالم وضبطهم واحضارهم ومعاقبتهم إذا ما انتهكوا هذه المادة) فإن تطبيقها داخل السودان نفسه يؤدي إلى نتائج جد غريبة إذ أن (عبد الله) في المثال التالي يجرم بموجبها. والمثال هو: ( أن أتشاجر أنا (محمد) المسلم مع (بطرس) المسيحي فيقوم (عبد الله) جارنا المسلم بنقل معلومة (أني أجيد الكاراتيه إلى بطرس) وبموجب تلك المعلومة يتحرز (بطرس) ولا يشتبك معي بصورة مباشرة بل يحضر عصاة طويلة يشبعني بها ضربا ً "من بعيد لبعيد" حتى ألوذ بالفرار. في هذه الحالة يعاقب (عبد الله) بموجب تلك المادة بالإعدام أو السجن المؤبد أو لمدة أقل مع جواز مصادرة جميع أمواله. فلقد أضر هذا الخائن بمركز المسلمين الحربي ..! 
وبعد هذه النتيجة الغريبة والمضحكة قد يقول كريم: لا يا أخي يمكن إضافة فقرة أخرى للمادة تقول: (لا تسرى أحكام هذه المادة على المشاجرات الشخصية). وهذا كلام جميل ولكن ماذا تبقى للمادة لتعاقبه فهي بتلك الصياغة تحمي مصلحة (أشخاص طبيعيين) هم المسلمون بينما المطلوب حمايته شخصية اعتبارية (الدولة كأرض وشعب). وقد يقول آخر لا يا أخي المشكلة في صياغتك المقترحة والصحيح أن تستبدل كلمة البلاد في المادة الأصل بكلمة بلاد الإسلام أو أرض الاسلام أو دار الاسلام وأن تستبدل كلمة دولة أجنبية بدار الحرب وليس الكافرين. ولا بأس في ذلك ولكن سنصطدم مرة أخرى بعقبة جديدة وهي ما هو المقصود بدار الاسلام ؟ فإذا كان المقصود (أينما يوجد المسلم ويرتفع الأذان فهي دار الاسلام) فإن ذلك يؤدي إلى عدم وجود دار حرب فالمسلمون ولله الحمد في هذا الزمان منتشرون في كل بقاع الأرض ويرتفع صوت مؤذنهم في كل الفجاج وبالتالي فليتجسس على دولنا المتجسسون من الأمريكان والدول الغربية والصين وروسيا وغيرها وليعاونهم من يعاونهم من الوطنيين ولن تطالهم عقوبة فكلها دارالاسلام ولتسقط حكوماتنا وتستباح أراضينا. وإن قلت أن دار الاسلام هي (ما غلبه المسلمون من الأرض وحكموه) بمعنى أن حكامها يدينون بدين الاسلام (على المستوى الشخصي) وإن حكموا العلمانية في نظامهم السياسي تكون قد انصفت خصومك من الأحزاب الديمقراطية الأخرى داخل الوطن وفي المنطقة ولكن هدمت منهجك الذي أسس على غير ذلك فما هي الجدوى من وجودك إذا اعترفت بهم بل ومنحت المواطنين حق التخابر معهم جميعا ً دون أن تطالهم عقوبة ؟! وعلى دولتك أيضا ً السلام. والحل الأخير الذي يتطابق مع المنهج هو أن تكون دار الاسلام هي (رقعة من الأرض) يحكمها جماعة الاسلام السياسي مثلك وفي هذه الحالة فإنك لا تستطيع معاقبة أي شخص يتخابر معهم لاقتلاعك أنت من السلطة في رقعتك التي تسيطر عليها وفقا ً لتلك المادة المقترحة وهذا ما لا يمكن أن يسمح الإخوة بحدوثه. وأجزم أن أسلاميي (السودان) لن يقبلوا أبدا ً أن يقتلعهم حزب الحرية والعدالة المصري مثلا ً من السلطة لينفرد إسلاميو (مصر) بحكم (السودان) بل لا شك عندي أنه "ستراق منهم الدماء". والنتيجة النهائية لكل ذلك هي أن الأحزاب والجماعات الاسلامية ترفض مبدأ الوطنية على المستوى النظري وتدينه بل ويكفر بعضها من ينادي به (إذ أنه بوابة العلمانية) وفي ذات الوقت لا تتردد في الاعتماد عليه للمحافظة على السلطة لتصيغ قوانينها على أساسه ضاربة بمنهجها الديني الذي يعتمد أخوة الاسلام وشعاراتها المقدسة عرض الحائط. وبالتالي فإن كل التضحيات والمجاهدات التي يقدمها شبابهم الحالمون بسيادة الشعارات المطروحة على أرض الواقع وكل الأذى والألم والدموع التي تصيب الآخرين جراء ذلك ستروح هباء ً.
الخرطوم – أغسطس 2013م

السبت، 17 أغسطس 2013

جارك القريب ولا ولد أمك البعيد - حول تسفيه الوطنية

  هذه الحكمة السودانية القديمة التي عنونا بها هذا المقال والتي تعلي الجيرة على رابطة الدم تعتبر عندي تعريف مانع جامع لكلمة الوطنية وما يتبعها من ترتيبات حقوقية  تقوم على ذات الأساس دون الغوص في المصطلحات الأكاديمية الضخمة والمعقدة، فالجيران بحكم الرقعة الجغرافية الواحدة التي تضمهم والسكنى والمعاشرة والتزاور والتراحم الذي تفرضه عليهم وحدة المكان غالبا ً ما تتوحد مصالحهم وأهدافهم وآمالهم وأحلامهم ومشاعرهم حتى، فتراهم يتفقدون بعضهم البعض ويقيلون عثرات بعضهم البعض ويساندون بعضهم البعض. والمقولة في نتيجتها النهائية تؤسس ببساطة محكمة للعلاقة بين القاطنين في رقعة جغرافية معينة يتقاسمون حلوها ومرها وخيرها وشرها ويعملون جميعهم من أجل بنائها ورفعتها وتطويرها لتكون الوطن. وعلى هذا الأساس يجب أن تؤسس العلاقة بين أبناء الوطن الواحد في مستواها الداخلي على المساواة التامة بينهم إذ أنهم أصحاب الحق الوحيد والأصيل في ثرواته غض النظر عن دينهم أو لونهم أو عرقهم أو لغتهم إذ أن الثروات الوطنية هي نتاج الجهد المشترك لجميع ابناء الوطن فيجب أن يقطف ثمارها جميع أبنائه دون تمييز وذات الرؤية تحتم تمتع جميع المواطنين بحريتهم الدينية والفكرية والثقافية .. إلخ دون تمييز بينهم إذ أنهم يستوون في  المواطنة والتي هي منشأ الحقوق. وعلى المستوى الخارجي فإن اعتماد الوطن كمقياس يؤدى إلى نتيجة أن أبنائه هم الأولى بالمعروف وهذا يعني أن تتخذ السياسة الخارجية للدولة على ذات الأساس بأن تكون الأولوية لمصلحة الوطن كرقعة جغرافية وكيان سياسي معتبر وشعب بعيدا ً عن أي اعتبار آخر. وأي ايدلوجيا أو برنامج أو دعوة تتجاهل هذه الحقيقة البينة والواضحة وتحاول أن تؤسس برنامجها وأدبياتها على أساس يتجاهل ذلك أو يزدريه أو يقلل من شأنه أو لا يعترف به معتمدا ً على شكل آخر من أشكال العلاقات لبناء الدولة كالدين أو العرق أو المذهب أو الطائفة ستكلل بالفشل الزريع. فمهما غنى المغني - في ما يسمى (سياسيا ً) بالوطن العربي - لوحدة اللغة والمصير المشترك ووحدة الهدف، ومهما هتف الهاتف - في أرض الاسلام (كمصطلح ديني) - بمقولات براقة عن دولة الخلافة الراشدة المنتظرة أو الدولة الاسلامية التي تتجاهل الوطن بحدوده السياسية المعروفة وتزدري المواطنة وما يترتب عليها معتمدة على رابط الدين الذي "لا تحده الحدود المصطنعة" كما يقولون فإن محصلتها النهائية الصفرية وما تجره خلفها من ويلات عند محاولة إنزالها على الأرض كما خبرنا جميعا ً (السودان – العراق – مصر) نموذجا ً - يبين خطل تلك الاتجاهات وعدم صلاحيتها لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية داخل الوطن الواحد أو بين الشعوب المستهدفة بها في المنطقة سواء أن كانوا مسلمين أو عربا ً بل وفشلها الزريع في تحقيق ما تسعى إليه من أهداف عليا إن كانت لها أهداف حقيقية قابلة للتحقق. والسبب بسيط جدا ً - في تقديري - إذ أن الواقع على الأرض يختلف تماما ً عما يحلم به الحالمون وينظـِّر حوله المنظرون سواء أن كانوا اسلاميين أو قوميين عرب أو مذهبيين أو غيرهم إذ لا يوجد أي تجانس بين مكونات تلك المجتمعات يعين على تطبيق مثل هذه الاتجاهات ولا تتطابق مصالح سكان القطر الواحد أجمعهم مع مصالح بقية الأقطار ففي جميع الدول العربية (كمسمى سياسي) يوجد فئات مقدرة من عرقيات أخرى قد تتعارض مصالحها كمواطنين داخل أوطانهم مع أحلام النخبة العربية التي تنادي بالقومية وفي جميع الأقطار الاسلامية (كمسمى ديني) يوجد أقوام من أديان أخرى قد تتعارض مصالحهم أو حتى وجودهم المادي على ظهر هذه الأرض مع ما يلهج به الداعون لدولة الخلافة الراشدة أو دولة إسلامية هي في نتيجتها النهائية اعتماد ثقافة شبه الجزيرة العربية في مرحلة تاريخية معينة كمرجعية دينية سياسية اقتصادية اجتماعية ومقياس جامع مانع لما يجب أن تكون عليه الحياة الحقة التي تكفل النعيم في الدارين. هذه الرؤية الأحادية ستتعارض بكل تأكيد مع الكثير من المفاهيم الاقتصادية الاجتماعية الثقافية في الأقطار الأخرى بل في دول شبه الجزيرة العربية نفسها بحكم عاملي الزمان والمكان. بل أن هذه الرؤية ليست متفق على أساسياتها بين دعاتها إذ أن المسلمين أنفسهم منقسمون إلى مذهبين كبيرين يمتلك كل منهما رؤية تتعارض مع الآخر ويحاول كل منهما نفي الآخر وإلغاء وجوده (العراق – سوريا) - نموذجا ً ولا تقل لي أن برنامجك لم يهمل غير العرب وخصص لهم فصلا ً أو فصولا ً حول حقوقهم وواجباتهم وكيفية التعامل معهم إذ أن هذا التبرير لهو أكبر دليل على اختلال الميزان وانعدام العدالة والتمييز السالب إذ كيف تجعل من نفسك الأصل أو المركز الذي يسن مثل هذه القرارات وتحدد لي موقعي محجما ً وجودي في دولة واحدة نكدح ونكد معا ً من أجل بنائها ورفعتها ؟! وما الذي يمنعني أنا غير المسلم أو غير العربي في أن اتبنى برنامجا ً مضادا ً أكون أنا مركزه وعلى الهامش أحدد لك موقعك وحجمك كما تفعل أنت؟ فرابط الوطن هو الوحيد الذي يجمع ولا يفرق وترتيب الحقوق على أساس المواطنة هو صمام الأمان للوحدة والاستقرار والتنمية، ولا تذكر لي اجتهادات السلف حول أحكام الذميين والمستأمنين وغيرها في الاسلام فكيف أكون ذميا ً أو مستأمنا ً يا سيدي في وطن ٍ أشقى طوال يومي في سبيل بنائه ورفعته طبيبا ً أو مهندسا ً أو جندي أحمل السلاح مدافعا ً عن حدوده وحقوق إنسانه أو حتى عامل نظافة. كيف تلجأني بعد كل هذا إلى أضيق الطريق كما جاء في كتب بعض السلف؟! "سأدهسك بسيارتي يا سيدي إن فعلتها وليحدث ما يحدث". والعبارة بين القوسين لا يقصد منها سوى أنني سأرفع السلاح وأدافع عن حقوقي حتى ولو غرقت السفينة بمن فيها وما فيها (تجزئة السودان إلى سودانين) - نموذجا ً. فالنتيجة الحتمية لمثل هذه الاتجاهات التي تتجاوز الوطن كرقعة جغرافية وكيان سياسي وترفض ترتيب الحقوق على أساس المواطنة هي تجييش بعض الشعب داخل الدولة المعنية ضد بعضه الآخر (السودان – العراق – سوريا - نموذجا ً) ومن ثم تفتيت الوطن دون تحقيق أي من تلك الأهداف في حروب لا نهائية يتبادل فيها الأطراف المواقع (حكومة باطشة في مقابل معارضة مسلحة) وهذا يحدث لتعارض المصالح الوطنية مع ما ما تتوهمه الأحزاب الاسلامية من مصالح دينية أو مذهبية أو ما تحلم به القومية العربية ، فالاسلامي السوداني أو المصري أو العراقي أو السوري مثلا ً لكي يكون متطابقا ً مع منهجه وما يؤمن به من عدم الاعتراف بالوطن السياسي بحدوده الجغرافية الموجودة اليوم وإنسانه واعتماد برنامجه على أولوية الدين كمحدد للحقوق والواجبات والامتيازات ووحدة المسلمين وأخوة الاسلام أو المذهب التي لا تحدها الحدود يحتم عليه اعتماد كل ذلك في بناء الدولة أن يغلب مصالح الحزب أو الجماعة أو المذهب على مصالح الوطن كرقعة جغرافية وكيان سياسي اجتماعي اقتصادي ودولة واحدة معترف به. هذا الإنحياز ذو النتائج الكارثية على الأرض يحدث على مستويين. الأول داخل الوطن كرقعة جغرافية، والثاني خارجيا ً على مستوى الأحزاب الإسلامية السياسية في المنطقة في تعاملها مع الدول الموجودة "بحكم الواقع" وتعاملها مع بعضها البعض. ولا نعني سوء قسمتهم في ما لا يمكلون من الميل العاطفي إلى إخوتهم في الله مهما تباعدت المسافات بينهم، بل نلومهم في ما يملكون وما بين أيديهم من قرارت سياسية ومقدرات إقتصادية وامتيازات وثروات وطنية وغيرها إذ أن تلك الرؤية التي تصنف الناس على أساس الدين وتهمل الوطن وتزدري المواطنة كمنشأ للحقوق تحتم على الحزب الاسلامي المعين لكي يتطابق مع رؤيته تلك أن ينحاز للمسليمن داخل الوطن ضد بقية مكوناته في الحقوق والامتيازات أي على حساب بقية أفراد الشعب الذين يشاركونه الناتج القومي وكذلك ينحازون إلى مصلحة الأحزاب الإسلامية من الدول الأخرى ضد مصلحة أوطانهم أو مصلحة أوطان تلك الأحزاب إن تعارضتا إذ لا يوجد ما يسمى بالوطن في منهجهم كما اسلفنا من قبل بل يوجد مسلمون وغير مسلمين عرب أو غير عرب والحدود السياسية المعروفة ما هي إلا حدود مصطنعة من مخلفات المستعمر "كما يقولون" فلا بد أن يتم ترتيب الحقوق والواجبات وسن القوانين والسياسات العامة للدولة على أساس أخوة الاسلام وليس المواطنة حسب ذاك المنهج. وإذا استحضرت في خيالك أن أي حزب اسلامي إنما هو مجرد حزب سياسي بين عشرات الأحزاب في الدولة المعينة وله خصومه من الأحزاب والتنظيمات الأخرى (ذات القيادة والعضوية من المسلمين) يتبين لك أن كلمة المسلمين تنحصر عند الأحزاب الإسلامية السياسية في أعضاء ذلك الحزب فقط (بمعنى أنهم يتعاملون مع غيرهم من المسلمين على المستوى السياسي ككفار وإن اصطفوا معهم للصلاة أو كانوا حتى مأمومين بهم على المستوى العقيدي) وهو تناقض بيـِّن. هذا التمييز في الحقوق السياسية والاقتصادية لصالح الأحزاب الإسلامية يؤدي إلى الغبن والشعور بالظلم لدى بقية مكونات الشعب مسلمين وغير المسلمين من الأحزاب الأخرى والمناطق والأعراق والأديان التي طالها الظلم فيعلو صوت البندقية وتتحول الأوطان إلى ساحة معارك دائمة. وفي علاقتهم الخارجية ببقية الدول فإن مصلحة المسلمين تعني عندهم (حسب المنهج) مصلحة التنظيمات السياسية الاسلامية الشبيهة فقط وليس جماع المسلمين أو قضاياهم في تلك الدول. فالقضية الفلسطينية لدى الأحزاب الإسلامية في المنطقة مثلا ً تمثلها حركة (حماس) وحدها وهي الأولى بالدعم السياسي والاقتصادي الحربي وهي التي تغفر لها الزلات السياسية والهنات التي قد تصل إلى انتهاك السيادة الوطنية للدول الأخرى وذات الفعل يحرم على (فتح) مثلا ً رغم أنها تعمل لنصرة ذات القضية. والمحصلة النهائية لمثل هذه المقدمة كما نرى (مع افتراض حسن النية) هي أن الأحزاب الاسلامية السياسية تعمل لصالح عضويتها فقط سواء داخل الدولة المعينة أو في العلاقة التي تربط بينها وبين نظرائها في جميع الأقطار ويعود ريع كل ذلك على العضوية فقط فلا الإسلام وقضاياه ولا عامة المسلمين يستفيدون عمليا ً من وجودها بل إن وجودها هو ما يؤدي لتفريق الكلمة والتشرزم والتناحر. تلك هي النتيجة الوحيدة والنهائية لعدم الاعتراف بالوطن وتسفيه المواطنة.
الخرطوم - أغسطس 2013م