التسميات

السبت، 23 يونيو 2012

العشـاء الأخيــر

                                      إلى : محمد عبد السلام في عليائـه ..!
إشــارة :
"سراج ُ الجـَسد ِ هـو العـَيـن ..
فإن ْ كانت ْ عينـُك َ سلـيمة ً ، كان جسـدُك َ كلـُّهُ مـُنيـرا ً ...
وإن ْ كانت ْ عينـُك َ مريضة ً ، كان جسـدُك َ كلـُه ُ مظلما ً ...
فإذا كان النـُّور ُ الـذي فـيك ظـَلاما ً ، فيـَا لـَه ُ من ظـَلام ْ ..!" 1

مدخــل :
حـل َّ فـوق َ السـَّهل ِ ممتطيـا ً ترانيـم َ الغـمـَام
نيـل ٌ علـى شطـْيـه ِ تلـْهـو طفلـة ٌ وتبيـض ُ أسـْراب ُ الحمـَام
سـار َ فـوق َ الشـَّوك ِ ينـْـتـعل ُ السـَّلام ..!
طـار َ مثـل الفجـر ِ محـمـُولا ً بأجنـحة ِ السـَّكينـة ،
وأنـدق َّ مختـرقا ً غشـاء َ الصمـت ِ
محتـرقا ً بـ"لا" ،
ممـزقـا ً ليـل َ المدينـة ،
كان يبحـث ُ للعصافيـر ِ الصغيـرة ِ عـن مدينـَة ،
ليـس َ هـَاتيـك َ المـَدينـة ..!

النــَّص :
أنكرتـُها وأنكرتـني هـَذه المَديـنـَة
أضعتـُها فضيـَّعتني هـذه المَديـنـَة
مدينتي مدينـَة ُ الكـَرتون ِ والحـُطـَام
صـَبيـِّة ٌ تسلـَّلـت ْ لصـَدرهـَا أصـابع ُ الظـَّلام

فصارت ْ بيتـا ًً للأرواح ِ النـَّجـِسة
وكـل ِّ الأطيـَار ِ النـَّجـِسة ..!
  *  *  *
أيتـها القـِديسـَة ُ المـُعطـَّرة
حدَّقـت ُ في رمـوشـِك ِ المـُكسـَّرة
شفـَاهـِك ِ المـُعفـَّرة
وبطنـِكِ المنفـوخ ِ مثـل َ مقبـَرة
سألت ُ زهـْرة ً وقـُبـُّرة
عن موعـد ِ المـَطـر
طرقت ُ باب َ غيـمة ٍ ولا مطـَر ..!
  *  *  *
منذ ُ دقائق َ ،
وضعـَت ْ هـَذي الأم ُ الشـَّابـة ُ طـِفـلا ً
طفـلا ً بسـَّام َ العينيـن ِ وممصـوص َ الوجـْه ..!
ومنذ ُ دقائق َ ،
وضعـَت "أم شـَبـَتـُو" طفـلا ً
2
طفلا ً بسـَّام َ العينيـن ِ ، وريف َ الخـَديـن
استلقى يلعـب ُ فـوق َ "الرّيـَكـَة"3 ..!
  *  *  *
فـي هـَذي الزاويـة ِ العـَتـِمـَة ،
قطع ٌ من ليل ٍ تتـَمطـى
خنزير ٌ ، سرحـَان ٌ ، قطـَة ،
تتفيـَأ ُ أنـوار َ العـَـتــْمة ..!
فـي هـَذي الزاويـَة ِ العـَـتـِمـَة ،
همـْهـَمـْة ٌ ، ضـَحكـَات ٌ سـَكـْرى
آهـَات ٌ أجـْسـاد ٌ تـُكـْرا

أصـوات ٌ وسـيـاط ٌ نـُكـْرا
تتـَلفـْع ُ أنـْوار َ العـتــْمـَة ..!
فـي ظـل ِ الزاويـَة العـَتـِمـَة ،
نـَامت ْ أطيـار ٌ مُبتسـِمـَة
خـَدعتــْها أنــْوار ُ العـَتــْمـَة ..!
مـن نـور ِ الزاويـة ِ العـَتـِمـَة ،
قـد فـَاحت ْ رائحـَة ٌ عطـِنــَة
فـي هـَذي الرائحة ِ العـَطـِنـَة ِ روح ٌ نتـِنـَة ..!
  *  *  *
فـي الشـَّارع ِ المحمـوم ِ بالسـُّـكون ،
تأرجـَحت ْ رأس ٌ بلا عيـُون
أوقفتـُها ،
سألتـُها عـن قـَامة ِ الشـَّجـر
عـن موعـد ِ المطـَر
فحد َّقت ْ فـي سـَحـنتـي طـَويـلا
تأملت ْ ردائي َ النبيـلا
وأغلقـت ْ رموشـَها فـي سـَاعـِدي قتيـلة ..!
مـن يوقـف ُ الضجيـج َ فـي أرجـوحة ِ الـرجـَال ؟!
مـن ْ يمسـح ُ العفريت َ مـن ذاكـرة ِ الأطفـال ؟!
ركضـْت ُ أحمـل "خـَشبتـي" ... ولا أحــَد ..!
كـُلـُّهـُم ْ ...  ولا أحــَد ..!
  *  *  *
من ينـْزع ُ عنـِّي إكليـل َ الشـَّـوك ؟!

من يشـْـري ألحـان  المـْوت ؟!
  *  *  *
ركضـت ُ دون َ صَـوت
سمـَوت ُ دون َ صـَوت
دخلت ُ "خـورْ تويـم"
عـرجت ُ نحـو المسجــد ِ القـَديــم
صـَرخت ُ : هللويا ... هللويا ... هللويا ..!
لا أحـَد ..!
كـُلـُّهم ْ ...  ولا أحـَد ..!
  *  *  *
رجعـت ُ للـ"أستـاذ" في العشيـِّة 4

لثمـت ُ ثوبـَه ُ ، أخرَجـت ُ قلبـَه ُ ،
وضعتـُه علـى يـدي َ
أبيضـا ً كبسمـة ِ الوليــد ِ
دافئــا ً "كجـْـبــَّة ِ المـُريـد ِ" 5
مدهشـا ً كما الجـديـد ِ
فـَارعا ً كما النشيـد ِ
نابضـا ً بالحـُب ِ ، باسمـَا ً حيـِّي َ
أستـاذنا ... 4
يا منـبـع َ الضـِّيــاء ِ ...
مَجــْمـع َ الوفــَاء ِ ... قـاهـر َ الطـُغــَاة ْ ..1
يـا سراجـَنـَا في الأرض ِ
يا أخـَانا ، يا "أخو الوَلـِيـَّة" 6
ماذا دهى المدينـة ِ الصـَّبيـَّة ؟!
مـاذا دهى النبيـَّة ؟!

النيـل ُ ليـس َ النـيــلا
مـَا لا يـَميـل ُ مـِيل َ
وهـذه الأصـَابـع ْ ...
مـن أيـن َ تـنـبــت ْ الأصَابع ؟!
هـل ْ مـا أرى صـَوامـِع ،
أم أنـَّها الصـَّوامـع ؟!

  *  *  *
فحلـَّق َ "الأستـاذ ُ" فوق َ الأرض ِ بارك َ الحقـُول 4
ومـس َّ كـل َّ لـوزة ٍ غافلـة ٍ تنـام ُ في السـُّهــول
وصـَر َّ حفنـة ً من التـراب ِ ، صَـرَّها فـي خـِرقـة ٍ قـديمـَة 7
باسمـاً ، أعطـانيهـا ، وغاص َ في السـِّحـابة ِ العظيـمـة
قبـَّلـت ُ تلـك َ الصـُّرة ِ الرحيمَـة
ربطتـُها فـي سـَاعدي تـميـمـَة
حملتـُها إمـَارة
وعـدت ُ للـ"الخـُرطوم ِ" أرقــَب ُ البشــَارة ..!
  *  *  *
ابسطي كفيـك ِ يـَا أخت َ القـَمــَر
فأنا أتيـت ُ من المـناخات ِ الأُخـَر
بالفجـْر والكتـب ِ الجديـدة ِ والصـُّور ..!
اطوي مظلتـك فقـد جـَاء المطـر
كصراخ ٍ مولـود ٍ يودِّع ُ مهـْمـَه َ الليل ِ الـرَّهيـب

يصافح ُ الفجـر َ الرطيـب
غلالة ً ، جـاء َ المطـَر ..!
أنشودة ً عـَـذراء َ فـي رمـش ِ السـَّحـَر
طفلا ً  سماويا ً  يلاعبـُه الزَّهـَر
وعجينة ً قدسيـة ً حلـَّت ْ عـلـَى وجـه ِ الكـَدَر
مـا أحلـَى حبـات ِ المطـر ..!
فـكـِّي ضفائـرَك ِ كأجنـحة ِ الدعـَاء ِ جداولا ً

كأسـا ً لشقشقة ِ الحـُبيبـات ِ الطـروبـَة ِ
رقصـة ً بحـُداء ِ أجراس ِ السـَّفـَـر
نحـوَ الجمـَال ِ الحــَق ِّ ،
من عــَرق ِ الجـبــَاه ِ الشــِّـم ِّ ، هـذا "المـُنـتظـَر" ..! 
اخرجي كـل َّ الأثاثات ِ القديـمـَـة ِ للمطـَر

القـِدر َ والمصبـاح َ ، تذكـرَة َ السفــَر
مـا أحلـى حـَبـات ِ المطـر ..!
أشتـاق ُ أن ْ أمشـي إليـك ِ ، حبيبتـي ، تحـْت  المطــَر
وأنـَام ُ يومـي بيـن  نهديـَك ِ عـَلـى وقـْع ِ المطـر
أن ْ أغسـل َ الأحـزان َ فـي مـَاء المطــَر
وأداعب َ الأوتـار َ فـي عـُش ِّ المطـر
مـا أحلـى حبـات ِ المطـر ..!
أشتاق ُ أن ْ آتيـك ِ فـي يـوم ٍ خـُرافـي ٍ طـَويـل
مقـدارُهُ شـَـوقـي إليـك ِ
ورحلتـي نحـْو النـُّجـُوم ِ وبســْمة ُ الطفـل ِ الجميـل
يـَوم ٌ لـَه ُ يتـَفتـَّح ُ اللـون ُ النبيـل
ويـلوذ ُ شبـَح ُ المـَوت ِ فـي قبـو المدينـَة
أنـا لا أخـاف المـوت َ أو صمـت َ السكينـَة
قـد رحـل َ كـل ُّ الأصدقـاء
رحلـوا مـع الرجـل ِ الرهيــب
لكننـي إن مـِت ُ أحيـَا مـن جـَديـد

وأعـود أرحـل في رحـَابك غيمـة ً
خضـراء َ تربـُو كالوليـد ..!
فابسطـي كفيـك ِ قـد جـَاء َ المطـر ..!
  *  *  *
ولاح َ منحـَدرا ً من "الخـُرطـُوم ِ" خلفـَه غمـَامة
و"الروح ُ" فـوق َ رأسـِه كأنــَّه حمـَامة
سـار َ والصـَّباح ُ قـد أظـل َّ منكبيـَه

فبـَارك العـُصــاة َ ثم بسَـط َ فـي الفضـَاء سـَاعديـه
فانسلت ْ البروق ُ مـن غمـام ِ مقلتيـَه
حطـَّت ْ على يديـَه
فراشـة ٌ ، فراشـة ٌ بيضـاء ُ مثـل َ راحتيـَه
دنوت ُ مـن جنـابـه ِ
لثـمت ُ ثوبـَه ُ المنيـر
جلست ُ تحت قلبـِه ِ الكبيـر
-  يـَا سيـدي ... يـَا صَاحب َ الكـرامـَة
خبـِّرني ما الإمـَامة
وهـل ْ هـي القيـَامة ؟!
فغـَاص َ فـي الضيـَاء
وزقزقت ْ عصفورة ُ السـَّمـَاء
ركضت ُ حولـَه ُ
-  مـن  أنت َ ، سيـدي ؟! مـَلاك ؟
-  أرسـَلني أبـي .
-  سيـدي ، ومـن أبـوك ؟!
-  مبـَارك ٌ قـدُّوس ..!
-  زدنـِي ..!
-  عيـون ُ أبي خَـرزات ٌ حمـُر
وضحكتـُه ُ رعـد ٌ وبـُروق
كان زرافا ً ، فحـْلا ً يهـدر ُ بيـن َ النـُّوق
كان أبونا نيـلا ً يضـرب ُ فـي الصحـْراء
فهدا ً يكمـُن ُ فـوق َ الغـَاب ِ ونورا ً جلــَّل َ غـَار َ "حـِراء" ..!
-  زدنـي ..!
-  كان أبـونـا شيـَخا ً يقنـُت ُ فـي الأسحـَار
نقــْرَة َ "طـَار ٍ" 8

حلقـَة "زار ٍ" 9
رمحـَا ً "يـَعـرض ُ" حـَول َ النــَّار ..!
10
-  زدني ..!
-  كان "السـِّعــْن ُ" نـَديـا
11
و"مولوفتـُنا" ضـُل َ "تبلديـَّة" 12
و"جـُراب ُ" أبـي يتوســَّد ُ عـود َ "الطوريـَّة" 13
وأبـي يتحـدث ُ فـي "الطمبـور ِ" 14
"تقوقي من مـرج ِ الحـوَّاشـة ِ قـِمـريـَّة" 15
كنا نجلـس ُ بيـن يديـه حزمة َ غـَاب ٍ
عـَرقا ً آب َ مـن "الضحـويـِّة" 16
وكلاب ُ "السيـِجـَة ِ" ، بقـَر ُ "الضـَّالـة" تركض ُ قـدام َ "الشبـْريـِّة" 17
وتميس ُ لويزات ُ القطـن ِ ، تميـس ُ
وتختـف ُ "شبـَّال َ" "الصـُبحـِيـَّة" ..! 18
-  زدني ..!
  *  *  *
وكانت الطريق ُ بـَاردة
والخيل ُ فوق َ صفحـة ِ السمـاء ِ واردة
فسَـار َ نحـو قمـة ِ الجبـَل
تبعتـُه أسيـرُ نحـو قمـة ِ الجبـل
مـن موضعـي ،
رأيتـُها ، المدينـة َ التـي استحقـت ْ الغضـب ..!
سمعتـُه يـُردد الصـَّلاة :
- " أيها الآب ... 

تقـدس اسمـُك ...
وتبـَارك َ شعبـُك ...
كـُل ُّ واد ٍ يمتليء
كـُل ُّ جبـَل ٍ وتـل ّ ينخـَـفض
والطرق ُ المعـوَّجـة ُ تستقيـم ..!" 19
-  آمين ..!
هتفت ُ في جـَزل
ما عـَاد لـي ، بـل ْ عـَاد َ صوتـُهُ يسيـح ُ فـي الجـَبــل :
-  يلعننـُي كـل ُّ جـُبـَاة ِ الأرض ْ
وكـُل ُّ "الفريسيين" وأبناء ُ المــَوت 20
ستـُنكرنـي أنت 21
ورئيـس ُ الكهنـَة يمسـح ُ ظلـي
يطـرد ُ صـَوتـي
ويقـَدِّم ُ مُحـَرقتـي ، قربـَاني للشيـَطان
الـدرب ُ طويـل ٌ يـا ابن الإنسـَان
الحـَق َّ ... الحـَق َّ أقـول ُ وموعـدُنا "أم درمان" ..!
  *  *  *
وتسقط ُ الظـلال ُ والظـلال
ويبصر ُ الطـريق َ مـن يـَرى على الطريـق ِ مـَا يـُرى :
فراشـة ً ، حمـامـة ً أو نجمـة ً وآل
وهـذه الجمـوع ُ جـَامحـَة
قد اكتسـَت ْ بثـَوبها الأصيـل ِ صـَادحـة
على ربـَا "الخـُرطـوم" فـي جـَلال
ثـُم انثنـت ْ تغنـي
لغـادة ٍ مجــْدولة ٍ بالطمـي كانت المثــَال
غـَادة ٌ تفـوح ُ مـن مسـَامنـا
تـلــوح ُ فـي سمـَائنـا
عروسـة ٌ فـي الشـط  ِ كالغــَزال
مـزارعٌ ، مصانع ٌ ، ملاعب ٌ
وطفلـة ٌ زاهـرة ُ الخـَيـَال ..!
وسَـار َ بيننـا يبـَارك ُ العـُّمـال
يعـمـِّد ُ "الشماشـَة" الصغـار 22
ويسـأل ُ الخـلاص َ للخـُطـاة ..!
ها نحن صاعدون "خور تويـم" ..!
ها نحن هابطون "خور تويـم" ..!
غناؤنـا يـؤز ُ والأديـم
هتافـُنـا يفتض ُّ زرقـة َ السـَّديـم
وكان مسجـد ُ النـَّبي مثـل َ هـَيـكل ِ النـَّبي
يعج ُّ باللصوص ِ ، بالتجـَار ِ والصيـَارفــَة 23
"خـور تويـم" ... "خـور تويـم"
"ما بـَال الجـمـَال مشيـَها وئيـدا ؟!
أجنـدلا ً يحـملن أم حـَديدا ..؟!"
وتسـقـط ُ الظـلال ُ والظـلال
ويـُبصـر ُ الطـَّريق َ مـن يـَرى علـى الطـَّريق ِ مـا يـُرى :
فراشـة ً ، حمامـة ً أو نجمة ً وآل
عينا "يـَهوذا" كوكبان ِ مظلمـَان ِ سابحـَان فـي الرمـَال 24

ونحـَن ُ سـَائرون َ منشـدون َ قـَاصدون َ "خـور تويـم"
صـَبية ً بوجههـَا القـَـديـم ..!
  *  *  *
أنكـِر وجهي ، لا يـُنكرُني
أبصـق ُ صـوتي ، لا يـَبصقـُني
ويصيح ُ الديـك ُ أيـَا "بطرس"
ويـُطل ُّ الفجـر ُ أيـَا "بطرس"
21
وأنـَا لا زلت ُ أراوغ ُ وجـهي
سـآوي إلـى جبـَل ٍ يعصمـُني منـه ..!
أركـض ُ ، يركـض ُ وجـهي
عـَينـي ، أذنـي ، لسـَاني ، أنـفـي
حـَولي ، خلفـي
لا عاصـم َ مـن وَجهـي إلا وَجهـي ..!
  *  *  *
في كل صـَباح ٍ يـَصدح ُ عصفـُور ٌ
وينـَادي خـَد َّ الشمـس
والشمـس ُ تبـَارك ُ ذاك َ العـُصفور
والطيـر َ يعمـِّدُه ُ النــُّور
فـي كـل صبـَاح ٍ تـزدان ُ عصـَافيـر ُ الكـَون ِ
وتغـنـِّي
والحقـل ُ يغـنـِّي
للذهب ِ المسكـُوب ِ بخـَد ِ الـزهـْر
وفـوق َ وجـُوه صبـَايا يحـْضـن َّ النـَّهـر ..!
في كل صبـَاح ٍ تجتـمع ُ عصـَافير ُ الشـطـَآن
تنـَادي المطـر َ وتغتـسـل ُ ،
تبـدِّل ُ ريـش َ الأحـزان
تجلـس ُ فـوق َ الربـوة ِ تختـَار ُ الألـوان ..!
وجهي ...
ذاك التائه ُ يزرع ُ اسفـلت َ السـرطـَان
وجهي ...
ذاك الموبوء ُ بأكواخ ِ البـَارود ِ وجـَعجـَعـة ِ الفـرسـَان
الدرب ُ طـَويل ٌ يـا ابـن َ الإنسـَان
الحـق َّ ... الحـق َّ أقـول ُ ومـوعـُدنـا "أم درمـَان" ..!
  *  *  *
لا تسـألوا عـَنـي
إنـِّي موجـُود ٌ ، موجـُود ..!
لا تبحثـوا عـَنـي
ما كنت ُ بيـوم ٍ مفقــُود
إنـي أحيـَا ... فيـكـُم
فـي صخـَب النيــل ِ ولـون ِ الشمـس
قابلـت ُ فتــَاتي بالأمـْس
تلك السمـْراء
ذات َ العينيـن ِ الضاحكتيـَن
ذات َ السـاقيـن ِ الواعدتيـن ِ بأطفــَال ٍ منــِّي

منـكـُم ، منــَّا ، أطفـال ُ السمـْراء ..!
فتـاتـي ، تسمـَعني فـي جـَوف ِ الليـَل
غنيـت ُ لعينيـها فـي قلـب ِ الليـَل
كانت ترقـص ُ ، تهـْمـس ُ رغـم الليـَل
وهمـس ُ السمـْراء يزيـح ُ العـتــْمة َ
يكشـف ُ عـن وجهـي ، عنـكـُم ، عـنـَّا ويـُنيـر ُ الآفــَاق
همـس ُ السمــْراء ، فتــَاتي ، يـُخـرس ُ كـل َّ الأبــْواق
مـَا بينـنـا يكفيـها ، يكفيـني ، يكفيـكـُم ، يكفينـَا
يـَكفـي كـُل َّ العــُشـَاق ْ..!

                جامعة الخرطوم أغسطس - نوفمبر 1998م.
الهوامش :
1/  متـَّى - 6 : 22
2/ أم شبتو : من العربية السودانية ومعناها العنكبوت.
3/  الرَّيكــَة : من العربية السودانية - وتنطق التاء المربوطة هاءً : طبق من سعف النخيل توضع فيه الكـِسـْرَة وهي خبز السودان الرئيسي. وربما كان أصلها نوبي.
4/ الأستاذ : هو المهندس "محمود محمد طه " ولد في العام 1909م  بمدينة "رفاعة" وسط السودان وتخرج في كلية غردون "جامعة الخرطوم حاليا" عام 1936م من كلية الهندسة. صاحب الفكرة الجمهورية ومؤسس الحزب الذي يحمل ذات الاسم. جالد الاستعمار البريطاني في ذلك الزمان مع رفاقه في الاحزاب الأخرى حتى تحقق استقلال السودان عام 1956م. كان أول سجين سياسي في الحركة الوطنية. أصدر ما يقارب ثلاثين كتابا ً ومائتي كتيب ومنشور يشرح أسس الفكرة الجمهورية. حيث يقدم الاسلام في مستواه العلمي كدعوة عالمية للسلام. كان يدعو لتطوير التشريع ليواكب متطلبات العصر خاصة في جانب المرأة. وجوهر الفكرة هي الانتقال من الآيات المدنية التي قامت عليها بعض صور الشريعة إلى الآيات المكية التي نسخت في ذلك الوقت لعدم تهيؤ المجتمع لها. حيث الدعوة إلى الديمقراطية والاشتراكية والمساواة الاجتماعية المدخرة في أصول الدين. عارض نظام "جعفر نميري" معارضة شرسة فتم اعدامه بتهمة الردة في 18 يناير 1985م.
5/ جبة المريد : تعبير صوفي. والمريد هو المنتظم في السلك تحت إشراف شيخه المباشر. والجبة هي لباس الصوفية المميز. قطعة واحدة من قماش رخيص دائرية الشكل تستر الجسد كله وغالباً ما تكون مرقعة بعدة قطع مختلفة الألوان.
6/ أخو الوَلـِيـَّة : من العربية السودانية. وتنطق التاء هاء ً. والولية هي المرأة. والرجل السوداني يعتبر نفسه أخا ً لأي امرأة في العالم. يقولون :" الراجل ود عم المرأة". بمعنى أن أي رجل سوداني مسئول عن أي امرأة.  وعندما ينفعل الرجل السوداني ويقول :"أنا أخوك يا فلانه" وينطق الاسم ، فهذا يعني أنه سيقاتل حتى الموت. موته أو موت عدوه. فأخو الولية ترمز دائما ً للشهامة وإيثار المرأة ومساعدتها والوقوف إلى جانبها. وعندما تصبح تلك الولية "فلانة" المخصوصة بالاسم فإنها ترمز للثبات وهذا ما حدث للأستاذ/ محمود محمد طه. فبعد أن حكموا بردته وقضوا بإعدامه أمهلوه كي يتراجع عن أفكاره موضوع الحكم فرفض الأستاذ "رغم أنه كان بإمكانه مداراتهم" وتقدم "أخو فلانة" نحو المشنقة في ثبات ٍ وهو يبتسم. 
7/ صَـر َّ حفنة من التراب : صرّ من العربية السودانية ومعناها ربط شيء في قطعة ٍ من القماش. وتسمى "الصـُّره". هناك عادة سودانية قديمة تقضي بأن تصر النساء حفنة ً من آخر تراب وطئته قدما الحبيب المسافر عند خروجه من الدار. ويعلقنه في مكان ٍ ما من البيت حتى يضمن عودة ذلك الحبيب سالما ً.
8/ الطـَّار : من العربية السودانية وهي : آلة موسيقية إيقاعية نوبية من شمال السودان. تستصحب في الغناء وقد انتشرت في كآفة بقاع السودان بعد أن استخدمها المتصوفة في إنشادهم قصائدهم ومدحهم الرسول الكريم "محمد" صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
9/ الزار: في السودان : هو روح طيب وغنـِج يتلبس النساء. وهو أيضا ً الاحتفال الذي يقام للمرأة المتلبسة بذاك الروح. حيث تجتمع النساء في بيت المتلبسة وتنحر الذبائح وتغني النساء بقيادة "شيخة الزار" أغاني مخصوصة لمعرفة نوع ذاك الروح. وحينما تأتي الأغنية المطلوبة تخرج المتلبسة عن وقارها "يقال أنها نزلت ْ" فترقص كما لم ترقص من قبل وتتحدث لغة ً أخرى ، حسب جنسية الروح الذي يسكنها، إنجليزية أوفرنسية أو سواحلية أو لغة بعض القبائل المحلية كالدينكا أوالشلك أو غيرهم. ثم تطلب طلباتها وهي طلبات الروح كالذهب والعقود والأساور وغيرها وما على الزوج أو الأب "بحسب الحال" غير السمع والطاعة وإلا حدث للمرأة ما لا تحمد عقباه. بقية النساء في ذاك الاحتفال "وحيث أنهن خبرن ذات الموقف ويعرفن نوع الروح الخاص بهن وجنسيته" فإنهن يتعطرن ويتزين ويرتدين من الثياب ما يوافق الأرواح الخاصة بهن بعضهن ضباط في الجيش البريطاني أو السوداني  بكامل ثيابهن الرسمية والأوسمة والأنواط تزين أكتافهن وبعضهن بزي الطيارين الحربيين وبعضهن يضعن الغليون ..إلخ.
10/ يعرض : العرْضة هي رقصة حماسية سودانية خاصة بالرجال. كما أن استعراض الجيش في دولة المهدية السودانية اسمه العرضة.
11/ السعـِن : من العربية السودانية وهو : وعاء من جلد الخراف يـُبـرَّد فيه الماء عن طريق تعريضه للهواء بتعليق السعن في أحد أغصان الأشجار أو غيره. ذلك بعد دبغ الجلد وخياطته بطريقة ٍ مخصوصة.
12/ المولوفة : هي الشجرة الظليلة حيث يجتمع الطير عند الهاجرة. والتبلدية هي شجرة ظليلة تنتشر في غرب السودان.
13/ الجـُرَاب : وعاء من قماش أو جلد تحفظ فيه الأغراض. و الطورية : آلة تستخدم في الزراعة لحفر الأرض. وأصلها نوبي.
14/ الطمبور : أو الطنبور: آلة موسيقية وترية من شمال السودان. اشتهرت بها قبيلة الشايقية والنوبيون.
15/  تقوقي : من العربية السودانية ومعناها تغرِّد. وتستعمل لوصف تغريد طير القماري فقط "القبرات". الحواشة : من العربية السودانية وهي الحقل.  السطر الشعري هذا ، مضمن من قصيدة للشاعر "حسونة بدوي حجازي".
16/ الضحوية أو الضحوة : من العربية السودانية وأصلها كلمة الضحى. وهي وقت خروج الرجال للحقل وتمتد من بعد طلوع الشمس بقليل إلى منتصف النهار.
17/ السيجة والضالة : وتنطق التاء المربوطة هاءً ، لعبتان شعبيتان سودانيتان يختص بهما الرعاة غالباً وتسمى قطع السيجة كلاب وقطع الضالة بقر وهي غالبا ً من صغار الحصى. والشبرية : تعني الهودج.
18/ تختف : من العربية السودانية وهي تختطف.و الشبـَّال : هو أن تلقي الفتاة برأسها فجأة ً وفي حركة ٍ سريعة ٍ خاطفة أثناء الرقص على كتف الفتى الذي تود فينتشر شعرها المعطر على وجهه ورأسه. و الصبحية : هو الحفل الذي يقام ثاني أيام الزواج نهاراً.
19/ لوقا 3 : 5
20/ الفريسيون : الفريسى : كلمة آراميه معناها  المنعزل.  والفريسيون هم إحدى فئات اليهود الرئيسية ومن حيث العقيدة كانوا يؤمنون بخلود النفس وقيامة الجسد ووجود الأرواح ومكافأة الإنسان ومعاقبة الآخرة . غير أنهم حصروا الصلاح في طاعة الناموس فجاءت دياناتهم ظاهرية وليست نابعة من القلب .اشتهر معظم الفريسيين بالرياء فاستحقوا الانتقاد اللاذع والتوبيخ القاسي ، فيوحنا المعمدان دعاهم بأولاد الأفاعي  كما وبخهم السيد المسيح على ريائهم وتحميلهم الناس أثقالاً صعبة الحمل. ولقد كانت لهم يد بارزة في المؤامرة على السيد المسيح. متـى 5 : 16،23 مرقس 3
21/ تنبأ السيد المسيح ليلة أن أحيط به أن تلاميذه سيشكون في صدق نبوءته. فقال "بطرس" : لو شك الجميع فأنا لا أشك. فقال له السيد المسيح : الحق أقول لك . إنك اليوم ، في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك مرتين ستنكرني ثلاث مرات. وهذا ما حدث حين أحيط بالسيد. خاف "بطرس" الهلاك فأنكر أنه من تلاميذه بل أنكر معرفته السيد المسيح ثلاث مرات. وفي الثالثة صاح الديك. فتذكر "بطرس" النبوءة فندم وبكى بكاءً مرا ً. مرقس 14 :30
22/ التعميـد: طقس مسيحي رمزي يحمل معنى التطهر. وتتمثل باغتسال المعتمد بالماء وهي من وظائف القساوسة... الشماشة : هم الأطفال المشردون في الشوارع بلا عوائل أو مأوى. أبناء الشمس. وفي السودان تبدل السين شينا ً وتكسر الميم. فيقال الشمـِش.
23/ ودخل "يسوع" إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وقال لهم : بيت أبي بيت صلاة ولكنكم جعلتموه مغارة لصوص. متـى 21 : 13
24/ بحسب الأناجيل القانونية فإن "يهوذا الإسخريوطي" هو التلميذ الذي خان السيد المسيح وسلمه لليهود مقابل ثلاثين قطعة فضة.

هناك تعليق واحد:

  1. راااااااائعة جدا لك التحيةا استاذ

    ردحذف