..................................
كانوا
حينها
يتربعون على أسرتهم بداخلية الطلاب وقد أغلقوا الباب بالمفتاح من الداخل.
أقلقهم غياب (حسام) المفاجئ بعد تلك المعركة الشرسة مع قوات الأمن بالميدان
الشرقي للجامعة
فقلبوا الأرض بحثا ً عنه وكان أن هداهم أحد كوادر الحزب الشيوعي إلى منزل
عمه حيث
اختبأ. قادوه إلى داخلية الطلاب غاضبا ً وحزينا وهو يصب لعناته على عمه
وأسرته، ولم يكن الأصدقاء الثلاثة ليفهموا شيئا ً حتى وصلوا إلى غرفتهم،
أغلقوا عليهم الباب بالمفتاح من الداخل ثم انبرى (حسام) يحكي لهم تفاصيل
الأيام الثلاث المنصرمة.
- سيدي الرئيس..!
قالها (حسين)
بلهجة ٍ متأدبة وهو يهب ليقف أمام (الزبير) مطأطأ الرأس في مشهدٍ تمثيلي بارع،
لينفجر (حسام) في ضحكةٍ صافيةٍ بينما ابتسم (صالح) في غموض وكأنه يعرف ما سيقال.
ضغط (الزبير) على نظارته الطبية بإصبعه وهو يلتفت متسائلاً في جدية:
- نعم،
ماذا تريد أيها المواطن الصالح؟!
- لدي
اقتراح أتمنى أن يوافق هواكم ويجد صدى في نفسكم الكريمة!
عاد (الزبير)
يضغط على نظارته الطبية دون أن تكون بحاجة ٍ لذلك ثم رفع بصره نحو الشاب معنفا ً
بقوله:
-
الأمور لا تُعلق بهوى الأشخاص أيها المواطن الصالح مهما كان وضعهم، إنما
تحكمها ظروف موضوعيه.
- ولكن
لهواك تأثيرا ً كبيرا ً في هذا الأمر بالذات، سيدي.
- قُلْ.
قالها بلهجةٍ
باردةٍ ومتسلطةٍ ليبتسموا جميعاً. كان (الزبير) وحده الذي يؤدي دوره فيهم بمثل هذه
البراعة حينما يتعلق "السيناريو" بالميزانية والمصروف الأسبوعي، كثيرا ً
ما ينسى الشاب نفسه ويتقمص دور الأب أمام أبنائه الصغار الذين لم يختبروا الحياة
ولا يقدرون الظروف المعيشية كما كان يعنفهم دائماً.
أخفى (حسين)
ابتسامةً صغيرةً كانت في طريقها إلى شفتيه ليتساءل بقوله وهو يظهر التردد:
- أقولُ
وأنا آمن؟!
فكر (الزبير)
لبرهةٍ ثم عاد يرفع رأسه ليخاطبه بقوله:
- قُلْ
وأنت آمن.
- إنها
الفراخ يا صاحب السعادة!
رد (حسين) وهو
يخفض بصره إلى الأرض متحاشيا ً عيني (الزبير) اللتين اتسعتا من الذهول:
- ماذا؟
هل قلت الفراخ؟!
تمالك (الزبير)
نفسه أخيرا ً ليهتف بالعبارة وهو يهب معتدلا ً في انفعالٍ حقيقي، لتسقط نظارته
الطبية إلى جانبه على السرير، أسرع يلتقطها في اضطراب ٍ ظاهر ٍ ليتمتم (حسين)
معتذرا ً:
- نأسف
سيدي لإزعاجكم، ولكنها الفراخ، الفراخُ الكويتية!
قالها وهو يتنهد
في لوعة.
-
مالها؟ مالها الفراخ الكويتية؟!
تساءل (الزبير)
في حدةٍ وهو يخلع النظارة ثم يعود فيضعها على عينيه محدقا ً في وجه الشاب وكأنه
سيأكله. ليرد (حسين) بصوت ٍ مهموس ولوعة ٍ حقيقة:
- إني
أحبها..!
-
أتحبها؟! أتقول أنك تحب الفراخ؟! وكيف يحب مواطن ٌ صالح مثلك الفراخ؟!
وعاد الصمت يؤز
في جنبات الغرفة و(حسام) يكتم ضحكاته بصعوبة، بينما عينا (الزبير) لا زالتا
تلتهمان وجه الشاب في غيظ. تمالك نفسه ليواصل حديثه في برود ٍ مصطنع:
- ما
دمت تحبها، فلتتزوجها إذا ً.
-
بموافقة معاليكم.
رد الشاب
متجاوزا ً سخرية الآخر ليهب (الزبير) صارخا ً:
-
موافقة من؟!
-
معاليكم طبعا ً.
- وما
دخل موافقتي بهذا الموضوع؟
-
الميزانية.
-
الميزانية، هل جننت يا هذا؟ أتريد الفراخ على العشاء؟! ما شاء الله، وماذا
سيبقى إذا ً؟! فلنطلب لك المقبلات والمشهيات ثم نتبع ذلك بالحلوى والمشروبات
الروحيه، أو قل لي، ما رأيك في زجاجة ٍ من الويسكي؟
- لقد
حرمها الدين.
-
الدين؟! أتقول الدين وأنت تطلب الفراخ على العشاء؟ الدين الذي يقول: (ليس
منا من بات شبعان وجاره جائع إلى جانبه)، أتقول الدين أيها الانتهازي؟!
خيل إليهم أنه
سينسى نفسه ويهب ليصفع الشاب الماثل أمامه على وجهه فلقد بدا (الزبير) حينها
صادقا ً في انفعاله وكأنه يفرغ أحزانا ً حقيقية، ليتجاوز (حسين) كل هذا ويعود
محاولا ً إقناعه بقوله:
- إنها
احتفالا ً بعودة (حسام) إلينا سالما ً يا صاحب السعادة.
قالها بلهجة ٍ
مستعطفة ٍ وهو يرمق (حسام) في إشفاقٍ مصطنع ليلتفت (الزبير) نحو الأخير متسائلا ً
بلهجةٍ جافة:
- وأنت،
أتريد الفراخ على العشاء أيها السيد؟ هل كنت تنتظر أن تُقدَّم لك الفراخ؟!
- لا،
أبدا ً. أنا أحب العدس.
رد (حسام) وهو
يكتم ضحكة ً أبت إلا أن تنفجر. ليهتف (الزبير) في ظفر:
-
هنيئا ً لك يا بني، هكذا يكون المواطن الصالح.
الصفحات 88
-91 من رواية (المطمورة) - أبريل 1995م – يناير 199
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق