6
ها أنت تقولها أخيراً بعد ليالي من السهاد
والأرق، الخوف، اللهفة والترقب. ها أنت تقولها أخيرا ً، وكنت انتظرها على أحر ٍ من
الجمر كما يقولون في الكتب القديمة!
(يا حبيبتي، يا
حياتي)..!
كنت أتلهف
لسماعها من بين شفتيك لاهبة ً، حارقة ً، مشبعة ً بالحياة!
(يا حبيبتي، يا
حياتي)..!
ها أنت تهمس بها
أخيرا ً وعيناك تحتويني ولكنني لست سعيدة ً بها، لست سعيدة. هناك شيءٌ ما يكتم
أنفاسي ورأسي يدوي وكأنهم يلهبونه بالمطارق، إلى جانب إحساسي الطاغي بالعار،
المرارة والهزيمة!
(يا حبيبتي، يا
حياتي)..!
أتساءل الآن، هل
تقولها صادقا ً أم لاوعيك الذكوري قد اختار الكلمة المناسبة في الوقت المناسب أو قل
السلاح المناسب في اللحظة الحاسمة أو فلنكن أكثر علمية ً لنقول أداة القهر المناسبة
في الموقف المناسب!
ترعبني أفكاري،
أكاد أتجمد من الخوف، وأرى مفكرتي الصغيرة ترتجف وريقاتها من هول ما أسرَّه لها!
(يا حبيبتي، يا
حياتي)..!
لقد استعملتها
كأداة ٍ للقهر وأتتك بنتائج مبهرة، كفلت لك النصر الحاسم.
تحزنني أفكاري،
يبدو لي كل شيء تافها ً بلا معنى، كم أشعر بالغيظ والحنق منك، لماذا قلتها في تلك
اللحظة غير المناسبة؟!
(يا حبيبتي، يا
حياتي)..!
كنت أتوق
لسماعها، انتظرها وقلبي يحترق فلماذا أحطتها بضباب ٍ كثيف، لماذا هدمت صرح أمنياتي
وسحقت أجمل أحلامي، لماذا أفسدت عليَّ الاستمتاع بكلمة الحب وحرارة النجوى؟ لكم
أتمنى لو أشبعك لكما ً وصفعا ً، أن أركلك بقدميَّ!
(يا حبيبتي، يا
حياتي)..!
أذكر جيدا ً، لقد
كنا حينها نتشاجر، كنا في معركة ٍ مصيرية ٍ وحاسمة، ولم أكن أمثل نفسي وحدها، لم أكن
أدافع عن حقي في الاستمتاع بتحضير الفطور والمشاركة في إعداده، لا، لقد كنت أخوض
حينها معركة ً مقدسة. كنت أناضل ضد القهر والتسلط والوصاية، كنت أمثل كل بنات جنسي،
كل نساء الدنيا كن حاضرات في بالي، أمي أمك وأمهاتهم. أخواتي، أخواتك، أخواتهم.
كانت مطالبنا عادلة ً، وحجتنا بينة ً وكفتنا هي الراجحة. كنا قاب قوسين أو أدنى من
النصر فإذا بعقلك الخبيث يتفتق عن سلاح ٍ هائل ٍ ومدمر.
(يا حبيبتي، يا
حياتي)..!
أطلقت سلاحك
لتنقلب الموازين ويتحول النصر إلى هزيمة ٍ منكرة ٍ وأعود أتبعك كالغبية.
(يا حبيبتي، يا
حياتي)..!
تؤلمني أفكاري.
أحس أنني أحتقر نفسي حينما أتذكره ذلك الموقف المخزي. كيف استسلمت؟ كيف ألقيت
سلاحي ببساطة ٍ وتركتك تأخذني سبيَّة؟ جارية ً مملوكة!
(يا حبيبتي، يا
حياتي)..!
كيف استطاعت هذه
العبارة اللزجة أن تدك حصوني، كيف استطاعت أن تعطل أسلحتي وتجعل راياتي البيضاء
ترفرف دون قيد ٍ أو شرط، كيف استطاعت هذه العبارة أن تحيلني إلى مخلوقٍ غبي تافهٍ
لا حول له ولا قوة؟!
(يا حبيبتي، يا
حياتي)..!
لكم أكره هذه
العبارة بقدر حبي لها وتوقاني لسماعها. إنها السلاح الذي استعمله كل الرجال حينما
أعيتهم الحجة. أبي، أبوك وآباؤهم، حققوا بها كل ما يرجونه وعادت على دولتهم بالنصر
المؤزر. مزيدا ً من السبايا، مزيدا ً من الجواري، مزيدا ً من الإرضاء لأحاسيس مشوهة.
ومع
ذلك فأنا أحبك، أحبك ولست سعيدةً بحبك ولكنني لا أملك له دفعا ً. أحبك أيها المشوَّه
المتسلط القاسي. أحبك ولا استطيع أن أدعي غير ذلك. أحب ذلك الرفيف الشفيف الذي يؤز
داخل قلبي كلما بدوت قادما ً من البعيد وأحب أحلامي التي ينسجها تعلقي بك وتطلعي
لحياةٍ أتقاسمها معك. أحبك لأسبابٍ كثيرةٍ أعرفها وأفهمها جيداً وأحبك أيضا ً
لأسبابٍ أخرى لا أدرك كنهها ولكني أحس بها عميقة ً في داخلي.
(يا حبيبتي، يا
حياتي)..!
فضلا ً فليكن هذا
السلاح بعيداً في معاركنا المقبلة فمن العار أن تصبح أحلى الكلمات وأكثرها قداسةً
سلاحاً في المعركة، أن تصبح أداةً للقهر والتسلط).
وضعت الفتاة
القلم على الطاولة في هدوء ثم أخذت تعيد قراءة السطور باهتمام.
- خلاص
يا (سميره)، المحاضره الباقي ليها عشره دقايق.
خاطبتها (صفاء)
وهي تلوح بيدها في ضجر. ولم ترد، بل يبدو وكأنها لم تسمع العبارة وتدخلت (شذى)
قائلةٍ بحدة ٍ مصطنعة:
- إنتي
قاعده تبالغي يا (سميره)، ده حب ولا بحث بتاع تخرج؟ ما تخلصينا يا شيخه!
أغلقت (سميرة)
المفكرة في هدوء ثم نهضت لتعيدها إلى داخل الدولاب. دقائق والفتيات الثلاث يجتزن
البوابة الرئيسية لمبنى الجامعة.
الصفحات 56
-58 من رواية (المطمورة) - أبريل 1995م – يناير 1999
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق