................................................................................................................
وكان (الجزمجي) آخر من
رأى (حَوَّايَة) على قيد الحياة، فلقد وُجدتْ مشنوقةً بعد عدة أيامٍ داخل فناء
منزلها وقططها السبع يتقرفصن تحت قدميها وهن يموءن في ألم. كان (جابر) حينها قد
صعد الجبل وودع (تَوكَتَّو) إلى الأبد. ولم يستطع أحد أن يعرف ماذا حدث للمرأة.
ولكن الحكَّامة (مُنجليَّة) تقول ويردد خلفها جميع نساء المدينة، أن المرأة قد
فقدت السيطرة على تلك الشياطين التي تُسخِّرُها في عمل "الكَوادِيِك"،
تمردت عليها تلك المخلوقات ذات ليلةٍ وشنقتها. وعندما ذهب شقيقها (مريسيل) ليجمع
مقتنياتها لم يجد شيئاً سوى تلك الصناديق الخضراء الكبيرة. مئات الصناديق الخشبية
الفارغة مختلفة الأحجام كانت تزحم الحجرات الخمس وقد خُط عليها بلون الدم الكثير
من الرموز الغريبة كالجماجم المرعبة والعظام المتقاطعة. إضافة إلى كميةٍ ضخمةٍ من
الشاش والقطن والمحاليل الطبية والمشارط وبعض الخُرط والكتب والمذكرات تخفيها (حَوَّايَة)
في شنطةٍ حديديةٍ كبيرة قبعت تحت سريرها اليتيم.
وفي الليلة الثالثة من وفاة المرأة خرجت
سبع نساء بينهن (مريم إدريس) و(مريم آدم) إلى الجبل دون هدفٍ معلوم. كانت ليلةً
مقمرة وقد صفا الجو وسكن الكون بينما نجمة الشرق تأتلق في قوةٍ وكأنها تباري
القمر. هجرت النساء السبع أسرتهن من غير اتفاق وتسللن خارج الدور يخببن في الرمال
وكأنهن على موعد. تقول (مريم إدريس) أنهن لم يكن في كامل وعيهن بل بدا وكأن هنالك
قوة خفية تدفعهن دفعاً نحو منزل الراحلة. كانت القطط السبع حينها تصطف على الصخرة
المائلة التي يقوم عليها منزل المرأة وقد أقعت ساكنة ووجوهها نحو الشرق بينما
امتدت ذيولها الفخمة خلفها على الصخرة الملساء في خطٍ أسودٍ مستقيم. ومن خلفهن بدا
الشبحان وهما يحتضنان كفي بعضهما في حميمية ويغنيان بصوتٍ شجي ملؤه اللوعة والألم:
- يَا
أَسْيَادِي سَمَاحْ ...
بَطَد ٌ... زَهَج ٌ... وَاحْ ...
جَنَا وِلْدَوهُوا سِفَاحْ ...
يَا
أَسْيَادِي سَمَاحْ ...
بَطَدٌ... زَهَجٌ... وَاحْ ...
صَمَمَاً...
صَمَمَاً تَاحْ ..!
جميع النساء استطعن
تمييز الساحرة (حواية) بقامتها المشدودة وثوب "الدانتيل" الذي كان يأتلق
على ضوء القمر الناصع كما تذكرن صوتها الشجي وطربن لغنائها رغم الرهبة التي أخذت
بقلوبهن في تلك اللحظة. بينما أقسمت (مريم آدم) أن الشبح الآخر الذي كان النور يشع
من جناحيه العريضين لم يكن سوى (أَبَّشَر) "الْعَرْبَجِي". وحينما عدن
إلى (تَوكَّتُو) وأخبرن الناس لم يصدقهن أحد ولكن توالى ظهور الساحرة ورفيقها
وقططها السبع بذات الهيئة ورآها الجميع لخمس عشرة ليلة حتى أكمل القمر دورته بعدها
لم يظهر لها أثر ونسي الناس أمرها بعد حين.
من رواية (الرسالة إلى مؤمني توكتو) مارس 2009 - أكتوبر 2011م صفحة 46
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق