4
فِي
(تَوكَتُّو) حَيْثُ جَاءَتَهُ الْبشَارَةُ تَكَلَّمَ (الْجَزْمَجِيْ) * كَانَتْ السَّمَاءُ
حِينَهَا مُكْفَهِرَّةً وَعَلَى الأَرْضِ نَقْعٌ كَثِيفْ * وَأَوْلِيَاءُ اللهِ
طَوَابِيرٌ فِي وَادِي النَّمْلْ * طَوَابِيرٌ لا يَعْلَمُ عِدَّتَهَا إِلا هُوْ * حَتَى أَنَّ نَمْلَةً
رَفَعَتْ حَاجِبَيْهَا دَهْشَةً ثُمَّ حَذَّرَتْ أَخْواتِهَا * يَا مَعْشَرَ
النَّمْلِ طُوبَى لَكُمْ فَمَسَاكِنَكُمْ احْتَلَّهَا الشِّرِِّيِرْ * هَذَا الْقَادِمُ مِنْ
وَادِي الْمَوْتْ * وَلَمْ
تَكُنْ الْجُمُوعُ تَعْقِلُ لُغَةَ النَّمْلِ فَحَطَمُوهُمُ تَحْطِيمَا * سَلَبُوهُمُ ذَاكَ الْفُتَاتْ
* فُتَاتُ
مَوائِدِهِم الْعَامِرَةِ بَالدُّخنِ وَ"الْفَتْرِيتَةْ" * بَيْنَمَا
الشُّعَرَاءُ الصَّعَالِيكُ يُنْشِدُونَ أَشْعَارَاً تُمَجِّدُ الْحِرْمَانْ * وَالْعُشَّاقُ الْفُقَرَاءُ
وَالْمُتَسَوِلُونَ يَتَغَنْوَنَ للأَمْجَادِ الزَّائِفَةْ * وَمَجْدُ
اللهِ يَتَغَنَّى بِهِ اللّصُوصُ وَالْمُجَدِّفُونْ * الطَّرِيقُ بِسَاطٌ
أَحْمَرٌ يَمْشِي عَلَيهِ أَحَدُ الشَّيَاطِينِ فِي عُمَامَةٍ خَضْرَاءْ * يَمْشِي فِي جَبَروتٍ
وَصَلَفٍ وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِحِذَائِهِ الضَّخْمِ وَهِي تَئِنْ* بَيْنَمَا لِسَانُهُ
اللَّزِجُ يَتَمَشْدَقُ بِمَجْدِ اللهِ وَهُو آثِمٌ قَلْبُهُ * انْشَقَّتْ الأَرْضُ
وَاقْتَرَبَ الْقَمَرُ كَثِيرَاً وَكَأنَّهُ يُوشِكُ عَلَى تَقْبِيلُهَا * تَبَيْنَّا وَجْهَ
الشِّرِِّيرِ عَلَى ضَوءِ الْحَقِيقَةِ الْبَاهِرَةْ * عَلَيْهِ غَبَرَةْ * تَرْهَقُهُ قَتَرَةْ* وَالصَّمْتُ يَجُوسُ
فِي الشَّوَارِعِ مُسَامِرَاً حِذَاءَ (جَالُوتْ) * وَدِهَانٌ لَزِجٌ
يَجْعَلُ أَبْوابَ الْبُيُوتِ الْغَبْشَاءِ تَلْمَعُ تَحْتَ نُورِ الْقَمَرِ
المُظْلِمْ * مِئَاتُ الْعَنَاكِبِ
تَنْسِجُ خُيُوطَهَا فِي فَمِي * وَمَلايِيِنُ
الأَقْدَاحِ تَنَامُ مِلءَ جُفُونِهَا وَهِي تَنْفُثُ الْخَلَّوفَ النَّتِنِ
وَقَدْ عَلا شَخِيِرُهَا* بَيْنَمَا
الصَّقِيلُ يَبْتَسِمُ فِي صَلَفٍ وَجَبَرُوتٍ مُغَازِلاً وُرُودِ السَّمَاءْ * وَهِي لاهِيةٌ عَنْهُ
تَتَجَمَّلُ لِمَوْعِدٍ لَنْ يَخْلِفَهُ الْحَبِيِبْ * هَذَا مَا بَصُرَ بِهِ
(الْجَزْمَجِي) عَنْ بُعْدٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونْ * وَهُوَ يَتَحَنَّثُ
فِي الْغَارِ مُتَفَكِرَاً فِي مَلَكُوتِ الله * يَقُولُ (جَاِبرُ)
الحَقَّ وَالحَقَّ يَقُولُ لَكُمْ * طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي
مِشْوَرَةِ الأَشْرَارِ وَفِي طَرِيقِ الخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ * فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ
تَنْبُتُ عِنْدَ مَجَارِي المِيَاهْ * تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ وَوَرَقُهَا
لا يَذْبُلْ * أَصْلُهَا
ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءْ * الْحُكَمَاءُ يَفْقَهُونَ مَا أَقُولْ * وَالشِّرِّيرُ
يَصِفَهُ بِكَلام الطَّيرْ فِي الْبَاقَيرْ * وَلأَنَّي دَعْوتُ فَأَبَيْتَمْ
وَمَدَدَتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي * بَلْ رَفَضْتَمْ كُلَّ
مِشْوَرَتِي وَلَمْ تَرْضُوا نُصْحِي * فَأَنَا أَيْضَاً أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ * أَشْمَتُ
عِنْدَ مَجِئِ خَوْفِكُمْ * إِذَا جَاءَ
خَوْفُكُمْ كَعَاصِفَةْ * وَأَتَتْ
بَلِيَّتُكُمْ كَالَزَّوْبَعَةْ * وَإِذْ
زَاغَتْ الأَبَصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الحَنَاجِرْ * فَأَنَا هُنَاكَ
أَضْحَكُ مِلءَ شِدْقَيَّ *
وَكَثِيرُونَ غَيْرِي يَضْحَكُونْ * أُوْلَئِكَ المُشَرَّدُونَ المُتْعَبُونَ
المُعَذَّبَةُ قُلُوبُهُمْ لأَجْلِ مَجْدِ الله * فَإِنَّكَ لا تَجْنِي
مِنْ الشَّوكِ الْعِنَبْ * هَكَذَا
يَقُولُ (جَابِرُ الْجَزْمَجِي) * الْحَكْمَةُ
تُنَادِي فِي الْخَارِجْ * فِي
الشَّوَارِعِ تُعْطِي صَوْتَهَا * تَدْعُو
فِي رُؤُسِ الأَسْوَاقْ * فِي
مَدَاخِلِ الْمَدِينَةْ * وَلَكِنَّكُمْ أَعْرَضْتُمْ عَنْهَا * نَأَيْتُمْ بِجَانِبِكُمْ * كَمَا قَالَ اللهُ
مِنْ قَبْلْ * فَمَوْتَاً
تَمُوتُونْ * وَحَسْكَنِيِتَاً تَأَكُلُونْ * وَشَوْكَاً
تَحْصِدُونْ * سَتُكْوَى
جِبَاهُكُمْ وَجُنُوبُكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونْ * وَيَوْمَئذٍ يَفْرَحُ
المَؤْمِنُونْ *
فَمَرَارَةُ الصَّبْرِ الْجَمِيلِ تُثْمِرُ مَنَّاً وَسَلْوَى بِإِذْنِ اللهْ * تُبْرِي الأَكْمَهَ
وَالأَبْرَصَ وَتُنْطِقُ الأَخْرَسَ بِإِذْنِ اللهْ * وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى
أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونْ * هَكَذَا يَقُولُ
(جَابِرْ) *
بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى أَتَاهُمْ نُصْحِي* نَالَهُمْ تَوْبِيِخِي
* فَلَمْ
يَسْتَبِينُوا النُّصْحَ وَلَمْ يَسْتَمِعُوا لِصَوْتِ الحَقْ * لَقَدْ تَسَلَّطَ
الشَّيْطَانْ * نَوَازِعُهُ
الشِّرِّيرَةُ الْخَبِيثَةُ أَتْرَعَتْ جَوْفَكُمْ * ذَلِكَ الْقِيِحُ
النَّتِنُ وَالصَّدِيدُ الْمُقْرِفْ * أَلَمْ يَأَتِكُمْ نَبَأُ الأَولِيِنْ * هَذِهِ قُصُورُهُمْ
وَتِلْكَ قُبُورُهُمْ * هَكَذَا
يَقُولُ (جَابِرُ الْجَزْمَجِي) * إِذَا رَأَيْتَ
ظُلْمَ الْفَقِيرْ * إِذَا
لَمِسْتَ نَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلادِ فَلا تَرْتَعْ * لأَنَّ فَوْقَ الْعَالِي
عَالٍ يُلاحِظُ وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا * وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ
بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يَجْحَدُونْ * حِينَ
تَبْكِي الْفَضِيِلَةُ عَلَى الطُّرُقَاتْ * تَنْعِي أَهْلَهَا الْحُفَاةَ
الْعُرَاةْ * رُعَاةَ
الشَّاةْ * الَّذِيِنَ
قَضَوْا تَحْتَ سَنَابِكِ الشِّرِّيرْ * حِينَ يَتَطَاولُ الشَّيْطَانُ فِي الْبُنْيَانْ
* وَيَشْمَخُ
بِقَرْنَيْهِ مُتَحَدٍ عَدْلَ اللهِ دُونَ أَنْ يَهْتَزَ لَهُ طَرْفْ * مُزَيِّفَاً رِسَالَتِهِ
فِي إِصْرَارِ الْمُتَجَبِّرْ * مُلْصِقَاً
بِهَا كُلَّ الشُّرُورِ وَالآثَامْ * وَلا يَجِدُ مَنْ يَقِفُ فِي وَجْهِهِ * بَلْ يَجِدُ طَبَّالاً
وَزَمَّارَاً يَزُفُّونَهُ إِلى بِنْتِ الْحُرْ * حِيِنَهَا تَأَتِي
السَّاعَةْ * أَكَادُ
أُبْصِرُهَا آتِيِةْ * لَنْ
يُسْقِطَ عَلَيْكُمْ كِسَفَاً مِنْ السَّمَاءْ * وَلا حِجَارَةً مِنْ
سِجِّيلْ * فَأَنْتُمْ
أَضْعَفُ شَأَناً عِنْدَ اللهِ مِنْ هَذَا * أَقَلُ شَأَنَاً مِنْ
رِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةْ * فَمْوتَاً
تَمُوتُونَ وَبِالسَّيْفِ تُقْتَلُونَ * هَذَا هُوَ وَعْدُ الْحَقّ * وَوَعْدُهُ الْحَقّ * وَبِالحَقِّ تَكَلَّمَ
(جَابِرُ الْجَزْمَجِي) *.
من رواية (الرسالة إلى مؤمني توكتو) - مارس 2009 أكتوبر 2011م - الصفحات 24 - 25
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق