التسميات

الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

الرسالة إلى مؤمني "توكتَــَّو" 2


4
فِي (تَوكَتُّو) حَيْثُ جَاءَتَهُ الْبشَارَةُ تَكَلَّمَ (الْجَزْمَجِيْ) * كَانَتْ السَّمَاءُ حِينَهَا مُكْفَهِرَّةً وَعَلَى الأَرْضِ نَقْعٌ كَثِيفْ * وَأَوْلِيَاءُ اللهِ طَوَابِيرٌ فِي وَادِي النَّمْلْ * طَوَابِيرٌ لا يَعْلَمُ عِدَّتَهَا إِلا هُوْ * حَتَى أَنَّ نَمْلَةً رَفَعَتْ حَاجِبَيْهَا دَهْشَةً ثُمَّ حَذَّرَتْ أَخْواتِهَا * يَا مَعْشَرَ النَّمْلِ طُوبَى لَكُمْ فَمَسَاكِنَكُمْ احْتَلَّهَا الشِّرِِّيِرْ * هَذَا الْقَادِمُ مِنْ وَادِي الْمَوْتْ * وَلَمْ تَكُنْ الْجُمُوعُ تَعْقِلُ لُغَةَ النَّمْلِ فَحَطَمُوهُمُ تَحْطِيمَا * سَلَبُوهُمُ ذَاكَ الْفُتَاتْ * فُتَاتُ مَوائِدِهِم الْعَامِرَةِ بَالدُّخنِ وَ"الْفَتْرِيتَةْ" * بَيْنَمَا الشُّعَرَاءُ الصَّعَالِيكُ يُنْشِدُونَ أَشْعَارَاً تُمَجِّدُ الْحِرْمَانْ وَالْعُشَّاقُ الْفُقَرَاءُ وَالْمُتَسَوِلُونَ يَتَغَنْوَنَ للأَمْجَادِ الزَّائِفَةْ وَمَجْدُ اللهِ يَتَغَنَّى بِهِ اللّصُوصُ وَالْمُجَدِّفُونْ * الطَّرِيقُ بِسَاطٌ أَحْمَرٌ يَمْشِي عَلَيهِ أَحَدُ الشَّيَاطِينِ فِي عُمَامَةٍ خَضْرَاءْ * يَمْشِي فِي جَبَروتٍ وَصَلَفٍ وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِحِذَائِهِ الضَّخْمِ وَهِي تَئِنْ* بَيْنَمَا لِسَانُهُ اللَّزِجُ يَتَمَشْدَقُ بِمَجْدِ اللهِ وَهُو آثِمٌ قَلْبُهُ * انْشَقَّتْ الأَرْضُ وَاقْتَرَبَ الْقَمَرُ كَثِيرَاً وَكَأنَّهُ يُوشِكُ عَلَى تَقْبِيلُهَا * تَبَيْنَّا وَجْهَ الشِّرِِّيرِ عَلَى ضَوءِ الْحَقِيقَةِ الْبَاهِرَةْ * عَلَيْهِ غَبَرَةْ * تَرْهَقُهُ قَتَرَةْ* وَالصَّمْتُ يَجُوسُ فِي الشَّوَارِعِ مُسَامِرَاً حِذَاءَ (جَالُوتْ) * وَدِهَانٌ لَزِجٌ يَجْعَلُ أَبْوابَ الْبُيُوتِ الْغَبْشَاءِ تَلْمَعُ تَحْتَ نُورِ الْقَمَرِ المُظْلِمْ * مِئَاتُ الْعَنَاكِبِ تَنْسِجُ خُيُوطَهَا فِي فَمِي * وَمَلايِيِنُ الأَقْدَاحِ تَنَامُ مِلءَ جُفُونِهَا وَهِي تَنْفُثُ الْخَلَّوفَ النَّتِنِ وَقَدْ عَلا شَخِيِرُهَا* بَيْنَمَا الصَّقِيلُ يَبْتَسِمُ فِي صَلَفٍ وَجَبَرُوتٍ مُغَازِلاً وُرُودِ السَّمَاءْ * وَهِي لاهِيةٌ عَنْهُ تَتَجَمَّلُ لِمَوْعِدٍ لَنْ يَخْلِفَهُ الْحَبِيِبْ * هَذَا مَا بَصُرَ بِهِ (الْجَزْمَجِي) عَنْ بُعْدٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونْ * وَهُوَ يَتَحَنَّثُ فِي الْغَارِ مُتَفَكِرَاً فِي مَلَكُوتِ الله * يَقُولُ (جَاِبرُ) الحَقَّ وَالحَقَّ يَقُولُ لَكُمْ * طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مِشْوَرَةِ الأَشْرَارِ وَفِي طَرِيقِ الخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ * فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ تَنْبُتُ عِنْدَ مَجَارِي المِيَاهْ * تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ وَوَرَقُهَا لا يَذْبُلْ * أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءْ * الْحُكَمَاءُ يَفْقَهُونَ مَا أَقُولْ * وَالشِّرِّيرُ يَصِفَهُ بِكَلام الطَّيرْ فِي الْبَاقَيرْ * وَلأَنَّي دَعْوتُ فَأَبَيْتَمْ وَمَدَدَتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي * بَلْ رَفَضْتَمْ كُلَّ مِشْوَرَتِي وَلَمْ تَرْضُوا نُصْحِي * فَأَنَا أَيْضَاً أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ  * أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِئِ خَوْفِكُمْ * إِذَا جَاءَ خَوْفُكُمْ كَعَاصِفَةْ * وَأَتَتْ بَلِيَّتُكُمْ كَالَزَّوْبَعَةْ * وَإِذْ زَاغَتْ الأَبَصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الحَنَاجِرْ * فَأَنَا هُنَاكَ أَضْحَكُ مِلءَ شِدْقَيَّ * وَكَثِيرُونَ غَيْرِي يَضْحَكُونْ * أُوْلَئِكَ المُشَرَّدُونَ المُتْعَبُونَ المُعَذَّبَةُ قُلُوبُهُمْ لأَجْلِ مَجْدِ الله * فَإِنَّكَ لا تَجْنِي مِنْ الشَّوكِ الْعِنَبْ * هَكَذَا يَقُولُ (جَابِرُ الْجَزْمَجِي) * الْحَكْمَةُ تُنَادِي فِي الْخَارِجْ * فِي الشَّوَارِعِ تُعْطِي صَوْتَهَا * تَدْعُو فِي رُؤُسِ الأَسْوَاقْ * فِي مَدَاخِلِ الْمَدِينَةْ وَلَكِنَّكُمْ أَعْرَضْتُمْ عَنْهَا * نَأَيْتُمْ بِجَانِبِكُمْ * كَمَا قَالَ اللهُ مِنْ قَبْلْ * فَمَوْتَاً تَمُوتُونْ * وَحَسْكَنِيِتَاً تَأَكُلُونْ * وَشَوْكَاً تَحْصِدُونْ * سَتُكْوَى جِبَاهُكُمْ وَجُنُوبُكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونْ * وَيَوْمَئذٍ يَفْرَحُ المَؤْمِنُونْ * فَمَرَارَةُ الصَّبْرِ الْجَمِيلِ تُثْمِرُ مَنَّاً وَسَلْوَى بِإِذْنِ اللهْ * تُبْرِي الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَتُنْطِقُ الأَخْرَسَ بِإِذْنِ اللهْ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونْ * هَكَذَا يَقُولُ (جَابِرْ) * بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى أَتَاهُمْ نُصْحِينَالَهُمْ تَوْبِيِخِي * فَلَمْ يَسْتَبِينُوا النُّصْحَ وَلَمْ يَسْتَمِعُوا لِصَوْتِ الحَقْ * لَقَدْ تَسَلَّطَ الشَّيْطَانْ * نَوَازِعُهُ الشِّرِّيرَةُ الْخَبِيثَةُ أَتْرَعَتْ جَوْفَكُمْ ذَلِكَ الْقِيِحُ النَّتِنُ وَالصَّدِيدُ الْمُقْرِفْ * أَلَمْ يَأَتِكُمْ نَبَأُ الأَولِيِنْ * هَذِهِ قُصُورُهُمْ وَتِلْكَ قُبُورُهُمْ * هَكَذَا يَقُولُ (جَابِرُ الْجَزْمَجِي) * إِذَا رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرْ * إِذَا لَمِسْتَ نَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلادِ فَلا تَرْتَعْ * لأَنَّ فَوْقَ الْعَالِي عَالٍ يُلاحِظُ وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا * وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يَجْحَدُونْ * حِينَ تَبْكِي الْفَضِيِلَةُ عَلَى الطُّرُقَاتْ * تَنْعِي أَهْلَهَا الْحُفَاةَ الْعُرَاةْ * رُعَاةَ الشَّاةْ * الَّذِيِنَ قَضَوْا تَحْتَ سَنَابِكِ الشِّرِّيرْ * حِينَ يَتَطَاولُ الشَّيْطَانُ فِي الْبُنْيَانْ * وَيَشْمَخُ بِقَرْنَيْهِ مُتَحَدٍ عَدْلَ اللهِ دُونَ أَنْ يَهْتَزَ لَهُ طَرْفْ * مُزَيِّفَاً رِسَالَتِهِ فِي إِصْرَارِ الْمُتَجَبِّرْ * مُلْصِقَاً بِهَا كُلَّ الشُّرُورِ وَالآثَامْ * وَلا يَجِدُ مَنْ يَقِفُ فِي وَجْهِهِ * بَلْ يَجِدُ طَبَّالاً وَزَمَّارَاً يَزُفُّونَهُ إِلى بِنْتِ الْحُرْ * حِيِنَهَا تَأَتِي السَّاعَةْ أَكَادُ أُبْصِرُهَا آتِيِةْ * لَنْ يُسْقِطَ عَلَيْكُمْ كِسَفَاً مِنْ السَّمَاءْ * وَلا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلْ * فَأَنْتُمْ أَضْعَفُ شَأَناً عِنْدَ اللهِ مِنْ هَذَا * أَقَلُ شَأَنَاً مِنْ رِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةْ * فَمْوتَاً تَمُوتُونَ وَبِالسَّيْفِ تُقْتَلُونَ * هَذَا هُوَ وَعْدُ الْحَقّ * وَوَعْدُهُ الْحَقّ * وَبِالحَقِّ تَكَلَّمَ (جَابِرُ الْجَزْمَجِي) *.
من رواية (الرسالة إلى مؤمني توكتو) - مارس 2009 أكتوبر 2011م - الصفحات 24 - 25

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق