التطليق للضرر والشقاق:
ورغم بؤس هذا الأمر برمته، وأعني عرض الزوجين تفاصيل حياتهما الخاصة أمام الجمهور والبحث عن الحلول لخلافاتهما في قاعات المحاكم ، إلا أن الضرر والشقاق في ظني هو أكثر الأسباب معقولية لرفع دعوى التطليق من جانب الزوجة إذا
أساء الزوج إليها ووصل الطرفان إلى طريق مسدود، فلقد أجاز القانون للزوجة طلب التطليق للضرر الذي
يتعذر معه لمثلها دوام العشرة ولا يجيزه الشرع. وتساهل المشرع كثيرا ً في طرق إثبات الضرر، حيث
نص على أنه يثبت بكافة طرق الإثبات الشرعية بما في ذلك شهادة الشهرة والتسامع،
وحسنا ً فعل.
والمعلوم أن شهادة الشهرة والتسامع لا تقبل في الاثبات. وهي الشهادة أمام المحكمة بما هو متداول بين الناس من أقوال أو وقائع لا يـُعرف من شاهـَدها عيانا ً أو سمعها ولكنها مشهورة بين قطاع واسع من الجمهور. كقول
الشاهد: (سمعت ناس الحارة بقول فلان بيضرب زوجته). فهذه الشهادة مقبولة لإثبات الضرر. أما
قول الشاهد مثلا ً أمام المحكمة الجنائية أو المدنية: (سمعت ناس الحارة بقولوا فلان قتل فلان. أو فلان داير من فلان مليون جنيه) فهذه بينة غير مقبولة ولا يلتفت إليها.
ولم يحدد القانون نوعية الضرر ولم يحصره، وخيرا ً فعل ليصبح أي سلوك أو
تصرف حاط بكرامة الزوجة ضررا ً يستوجب التطليق. والممارسة القضائية في المحاكم
السودانية توسعت كثيرا ً في تصنيف ما يعد ضررا ً يستوجب التطليق فإلى جانب الضرب بكافة
أشكاله وأنواعه ودرجاته يشمل الضرر السباب والإهانة والإساءة إلى الوالدين (والدي
الزوجة) وأهلها والحبس في غرفة مغلقة والتهديد والاتهام بـ(قلة الأدب) وهي درجة أقل من
الاتهام بممارسة الجنس مع آخر، كما أن طلب الزوج من زوجته فعل ممارسات منافية
للطبيعة يعد ضررا ً يستوجب التطليق. ولكن الشرط الأساسي لنجاح الدعوى هو عدم رضا
الزوجة بذلك، وهذا يعني أن تغادر بيت الزوجية فور وقوع الضرر ولا تعود إليه أبدا ً.
ما يلفت الإنتباه هو استعمال المشرع في وصفه للضرر لعبارة (يتعذر معه لمثلها دوام العشرة). أي لا يليق بأمثالها. وهي
عبارة صحيحة نظريا ً ولكنها مؤذية بدرجة كبيرة حين إنزالها على أرض الواقع إذ
يتوجب وفقا ً لها أن ذات السلوك أو الفعل أو القول يمثل ضررا ً عند طبقة اجتماعية
معينة ويتعذر معه دوام العشرة ولا يعتبر ضررا ً عند طبقة أخرى. وإذا عرفت أن الضرر وهو تعدي على الزوجة
بالضرب أو الإساءة أو الإتهامات الظالمة أو التخويف أو التهديد يتبين لك مدى فداحة اعتماد هذه العبارة إذ تصبح شرعنة للظلم إذا مورس ضد فئة معينة أو طبقة محددة من المجتمع. وعلى سبيل المثال ووفقا ً لهذه العبارة يصبح ضرب الزوج لزوجته في الريف الإنجليزي في الثمانينات من القرن
المنصرم لا يعد ضررا ً يستوجب التطليق وفقا ً للقانون السوداني وهذا لا ينفي أنه
بالمقياس العادي يعد ضررا ً كبيرا ً جدا ً وإهانة لا تغتفر رغم اعتياد الناس عليه إلى الحد الذي أضحى فيه عرفا ً متبعا ً في تلك البقعة من الأرض وذلك الزمان وقبولهم به.
والملاحظ أن المحاكم السودانية لا تلتفت لهذا الشرط ولا يلتفت لقول الدفاع أن هذه الممارسة (ضربا ً أو سبابا ً أو إهانة أو اتهاما ً جائرا ً) موجودة ومنتشرة
في بيئة المدعية أو أسرتها وأنها تليق بأمثالها، بل لا أحد من المحامين يجرؤ على اعتماد تلك الخطة في دفاعه لحساسية
الموضوع وارتباطه بأمور شخصية يمثل طرحها للنقاش إهانة كبيرة للزوجة المدعية
وأسرتها بل إهانة للإنسانية، إذا ليس من الأدب ولا الذوق ولا العدالة أن يقال للزوجة : (ومالو لو زوجك ضربك ؟ فيها شنو ؟! ما هو عادي انتي وأخواتك وبنات أهلك وبنات جيرانكم وبنات حارتكم كلها بتنضربوا وتتهانوا). ثم يجلب المحامي شهودا ً ليثبت ذلك مؤسسا ً لفرضية أن دوام العشرة لا يستحيل !!!!! نلاحظ أن هذا ليس خط دفاع بل تهجـُّم وعنف لفظي وتجريح وإساءة بالغة.
وقد جرى العرف القانوني على انكار محامي الدفاع (محامي الزوج) الضرر وليس محاولة اثبات أنه يليق بأمثال الزوجة المدعية ، إذ لا يوجد قاض ٍ عاقل يستطيع أن يقول في حيثيات حكمه أنه حكم برفض الدعوى لأنه وجد أن الضرر يليق بأمثال الزوجة المدعية، إنها الفطرة الإنسانية السليمة التي ترشده وليس نصوص القانون. وأذكر أن دفاع أحد المتشددين قبل عدة سنوات أمام المحكمة الشرعية كان يقوم على أن الله أباح للزوج ضرب زوجته، ولكن لم يقبل منه ذلك إذ رأت المحكمة أن ذلك الضرب الذي اغترفه الزوج يختلف عن الضرب المذكور في الآيات الكريمة كما ونوعا ً، وحسنا ً فعلت المحكمة.
وقد جرى العرف القانوني على انكار محامي الدفاع (محامي الزوج) الضرر وليس محاولة اثبات أنه يليق بأمثال الزوجة المدعية ، إذ لا يوجد قاض ٍ عاقل يستطيع أن يقول في حيثيات حكمه أنه حكم برفض الدعوى لأنه وجد أن الضرر يليق بأمثال الزوجة المدعية، إنها الفطرة الإنسانية السليمة التي ترشده وليس نصوص القانون. وأذكر أن دفاع أحد المتشددين قبل عدة سنوات أمام المحكمة الشرعية كان يقوم على أن الله أباح للزوج ضرب زوجته، ولكن لم يقبل منه ذلك إذ رأت المحكمة أن ذلك الضرب الذي اغترفه الزوج يختلف عن الضرب المذكور في الآيات الكريمة كما ونوعا ً، وحسنا ً فعلت المحكمة.
ورغم تساهل المشرع في اثبات الضرر إلا أن الزوجة المدعية قد تفشل في اثباته
إذ غالبا ً ما يحدث الضرر في بيت الزوجية المغلق وبين الزوجين فقط دون شاهد. ولم
يغفل القانون ذلك فإذا خسرت الزوجة دعواها لفشلها في اثبات الضرر فما عليها سوى الانتظار
ثلاثة أشهر لترفع دعوى أخرى وهي دعوى التطليق للشقاق تبين فيها أنها تضررت من
زوجها وفشلت في اثبات دعواها السابقة وأنها لا تريد الرجوع إليه وتطلب التطليق للشقاق. وفي
هذه الحال تقوم المحكمة بتعيين حكمين أحدهما من أهلها والآخر من أهل الزوج كما
جاء في الآيات. ومهمة الحكمين هي النظر في ادعاءات الزوجين ومحاولة الصلح بينهما والبحث في
أسباب الشقاق. فإن تعذر الصلح فعلى الحكمين رفع تقريرهما إلى المحكمة والذي يحوي
بالضرورة نصيب كل من الزوجين في الإساءة للآخر. فإن كانت الإساءة جميعها أو أغلبها
من الزوجة تطلق مقابل مبلغ مالي يقدره الحكمان تدفعه الزوجة للزوج، وإن كانت
الإساءة كلها أو أكثرها من جانب الزوج أو منهما معا ً أو جُهل الحال فتطلق بلا مال. وهو
طلاق بائن.
ونختم بـ(ناجي) :
رفرف
َ القلب ُ بجنبي كالذبيح ْ
وأنا أهتف ُ يا قلب
ُ اتئد ْ
فيجيب القلب ُ والماضي الجريح ْ
لـِم
َ عدنا؟ ليت َ انـَّا لـم نعـد ْ
لـِم َ عدنا، أولم َ نطـو ِ الغرام ْ
وفرغنـا من حنيـن ٍ وألـم ْ
ورضينا بسكون ٍ وسلام ْ
وانتهينـا لفراغ ٍ كالعـدم ْ
........................الخرطوم - مارس 2016م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق