التسميات

الأربعاء، 2 مارس 2016

التطليق في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لسنة 1991م (1)


وانتفضنا لغبار ٍ آدمي ٍ مسنا
     وكان قانون الأحوال الشخصية للمسلمين من أبغض القوانين إلى نفسي بدأ هذا البغض من أول محاضرة فيه بكلية القانون منذ ما يقرب عن تسعة عشر عاماً وعلى ما أذكر كان موضوع المحاضرة هو العدول عن الخطبة (الخطوبة) وما يتبعه من استرداد الهدايا من مجوهرات وملابس وعطور وشكولاتة ومدمَّس وبيبسي كولا وغيرها أو ارجاع قيمتها إن تم استهلاكها (أي والله ارجاع قيمتها يوم القبض إن استهلكت. م 10) ثم تبعتها مادة تعريف الزواج فكانت القشة التي قصمت ظهر صبري ويعرفونه في م. (11) بأنه (عقد بين رجل وامرأة على نية التأبيد يحل استمتاع كل منهما بالآخر على الوجه المشروع).
 
كلمة استمتاع هذه بدت لي في سنوات الشباب والرومانسية تلك منتهى الفجاجة والفظاظة. ويعنون بها ما عبر عنه (إبراهيم ناجي) بمنتهى الشفافية واللطف والروعة بـ(غبار آدمي مسنا). في ملحمته الرائعة (الأطلال) تلك القصيدة التي يحفظها معظم أبناء جيلي فلقد كان جزء ٌ منها ضمن المنهج المقرر للغة العربية في الثانويات أبان تلك الأيام الزاهرة. بعدها لم أعد حريصا ً على حضور محاضرات الأحوال الشخصية رغم أن هنالك درجات لا يستهان بها ترصدها الكلية لحضور المحاضرات.  فلقد كان في حضورها إهانة للكثير مما أؤمن به من قيم .

      بعد التخرج ومعمعة المحاكم وجدت أن واضعي القانون كانوا في قمة الواقعية وكنت أبعد الناس عنها. فالناس يتقاضون دون أدنى حرج ٍ في كل ما عبت على المشرع ذكره خوفا ً مني على خدش قدسية العلاقة أو حياء ً من ربط نبض الروح بتراب المادة، إنهم يطالبون باسترجاع كل ما أهدوه للحبيبة مما أنبتت الأرض من فومها وبصلها وعدسها وعلكتها وشكولاتتها ومناديلها ورقية كانت أم حريرية ويستجلبون الشهود لإثبات مقدار العطاء وزنا ً أو كيلا ً أو طولا ً وعرضا ً والكثير من الفواتير من محال مختلفة، وحيث أن ذلك كذلك فلابد من وجود قانون يحكم نزاعاتهم تلك، وبان لي جليا ً أن ذلك القانون الشائه لم تخترعه مخيلة المشرع الفظ كما كان يلوح لي أيام الصبا الباكر بل انتجه واقعنا التافه المشوه، واقعنا هو الذي انتج القانون كضرورة وليس خيارا ً كان يمكن للمشرع تجاهله. فليس بشعر (ابراهيم ناجي) وحده يحيا الانسان ومعظمنا لا يتعاطى مع (قيس) و (جميل) إلا كقصص للتسلية كما أن ليس بيننا من هو في حلم (الأحنف) فالكثير من الدعاوى يحركها الغضب والرغبة في الثأر والانتصار للذات الجريحة والكرامة المهدرة غض النظر عن العائد المادي وهذا يجعل البعض يرتكبون الكثير من الحماقات المخجلة يندمون عليها لاحقا ً. ورغم ذلك لازلت اتمنى لو أننا في شفافية (ناجي) نبكي الصرح الذي هوى والمصباح الذي انطفأ ونأبى أن نغني لسوى (ليلى) دعك من أن نفكر في استرجاع هدية ونجعل من أنفسنا أضحوكة أمام ملائكة السماء.

لابد من صنعاء وإن طال السفر :

      نعم إذا ارادت زوجتك تطليقك فستطلقك حتما ، إذن فلتفعلها بكل هدوء إذا طلبته منك ولا داعي لتعميق الجراح وتوسيع الفتق باللجوء للمحاكم وما يتبع ذلك من تشهير وسمعة وغيرها فقانون الأحوال الشخصية للمسلمين منح المرأة (13) سببا ً لطلب الطلاق أو التطليق وهي : الخلع / الطلاق على مال/ التطليق للعيب أو المرض/ التطليق للعنة/ التطليق للضرر / التطليق للشقاق / التطليق على فدية/ التطليق للاعسار / التطليق لعدم الانفاق / التطليق للغياب والفقدان والحبس/  التطليق للايلاء أو الظهار أو اللعان.
نلاحظ أن بعض هذه الأسباب تاريخي إذ لا أظن أن رجلا ً عاقلا ً في عالم اليوم يقول لزوجته : (مه ، أنت علي َّ كظهر أمي). كما نلاحظ أن الاختلاف بين بعضها شكلي ٌ فقط : خلع / مال / فدية. كما أن بعضها ليس ذا خطر.
وقبل أن ندخل في هذه المواد بالشرح ونحدد شروطها وطرق اثباتها أو نفيها لنسترح قليلا ً مع بعض أبيات (ناجي) :
يا فُؤَادِي رَحِمَ اللّهُ الهَوَى           كَانَ صَرْحاً مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى
اِسْقِني واشْرَبْ عَلَى أَطْلاَلِهِ      وارْوِ عَنِّي طَالَمَا الدَّمْعُ رَوَى
كَيْفَ ذَاكَ الحُبُّ أَمْسَى خَبَراً        وَحَدِيْثاً مِنْ أَحَادِيْثِ الجَوَى
وَبِسَاطاً مِنْ نَدَامَى حُلُمٍ             هم تَوَارَوا أَبَداً وَهُوَ انْطَوَى
يَا رِيَاحاً لَيْسَ يَهْدا عَصْفُهَا     نَضَبَ الزَّيْتُ وَمِصْبَاحِي انْطَفَا
وَأَنَا أَقْتَاتُ مِنْ وَهْمٍ عَفَا             وَأَفي العُمْرَ لِنِاسٍ مَا وَفَى
كَمْ تَقَلَّبْتُ عَلَى خَنْجَرِهِ          لاَ الهَوَى مَالَ وَلاَ الجَفْنُ غَفَا
وَإذا القَلْبُ عَلَى غُفْرانِهِ              كُلَّمَا غَارَ بَهِ النَّصْلُ عَفَا
يَا غَرَاماً كَانَ مِنّي في دّمي        قَدَراً كَالمَوْتِ أَوْ فَى طَعْمُهُ
مَا قَضَيْنَا سَاعَةً في عُرْسِهِ          وقَضَيْنَا العُمْرَ في مَأْتَمِهِ
مَا انْتِزَاعي دَمْعَةً مِنْ عَيْنَه        وَاغْتِصَابي بَسْمَةً مِنْ فَمِهِ
لَيْتَ شِعْري أَيْنَ مِنْهُ مَهْرَبي      أَيْنَ يَمْضي هَارِبٌ مِنْ دَمِهِ
لَسْتُ أَنْسَاكِ وَقَدْ أَغْرَيْتِني      بِالذُّرَى الشُّمِّ فَأَدْمَنْتُ الطُّمُوحْ
أَنْتِ رُوحٌ في سَمَائي       وَأنَا لَكِ أَعْلُو فَكَأَنّي مَحْضُ رُوحْ
يَا لَهَا مِنْ قِمَمٍ كُنَّا بِهَا                    نَتَلاَقَى وَبِسِرَّيْنَا نَبُوحْ
نَسْتَشِفُّ الغَيْبَ مِنْ أَبْرَاجِهَا     وَنَرَى النَّاسَ ظِلاَلاً في السُفُوحْ
ذَهَبَ العُمْرُ هَبَاءً فَاذْهَبي            لَمْ يَكُنْ وَعْدُكِ إلاَ شَبَحَا
صَفْحَةً قَدْ ذَهَبَ الدَّهْرُ بِهَا           أَثْبَتَ الحُبَّ عَلَيْهَا وَمَحَا
اُنْظُري ضِحْكِي وَرَقْصي فَرِحاً        وَأَنَا أَحْمِلُ قَلْباً ذُبِحَا
وَيَرَاني النَّاسُ رُوحَاً طَائِراً      وَالجَوَى يَطْحَنُنِي طَحْنَ الرَّحَى
كُنْتِ تِمْثَالَ خَيَالي فَهَوَى              المَقَادِيْرُ أَرَادَتْ لاَ يَدِي
وَيْحَهَا لَمْ تَدْرِ مَاذا حَطَّمَتْ       حَطَّمَتْ تَاجي وَهَدَّتْ مَعْبَدِي
يَا حَيَاةَ اليَائِسِ المُنْفَرِد ِ              يَا يَبَاباً مَا بِهِ مِنْ أَحَدِ
يَا قَفَاراً لافِحَاتٍ مَا بِهَا             مِنْ نَجِيٍّ يَا سُكُونَ الأَبَدِ
أَيْنَ مِنْ عَيْني حَبِيبٌ سَاحِرٌ          فِيْهِ نُبْلٌ وَجَلاَلٌ وَحَيَاءْ
وَاثِقُ الخُطْوَةِ يَمْشي مَلِكاً        ظَالِمُ الحُسْنِ شَهِيُّ الكِبْرِيَاءْ
عَبِقُ السِّحْرِ كَأَنْفَاسِ الرُّبَى       سَاهِمُ الطَّرْفِ كَأَحْلاَمِ المَسَاءْ
مُشْرِقُ الطَّلْعَةِ في مَنْطِقِهِ           لُغَةُ النُّورِ وَتَعْبِيْرُ السَّمَاءْ
أَيْنَ مِنّي مَجْلِسٌ أَنْتَ بِهِ              فِتْنَةٌ تَمَّتْ سَنَاءٌ وَسَنَى
وَأَنَا حُبٌّ وَقَلْبٌ هَائِمٌ                 وَخَيَالٌ حَائِرٌ مِنْكَ دَنَا
وَمِنَ الشَّوْقِ رَسولٌ بَيْنَنَا              وَنَدِيْمٌ قَدَّمَ الكَاْسَ لَنَا
وَسَقَانَا فَانْتَفَضْنَا لَحْظَةً                  لِغُبَارٍ آدَمِيٍّ مَسَّنَا
قَدْ عَرَفْنَا صَوْلَةَ الجِسْمِ الّتِي      تَحْكُمُ الحَيَّ وَتَطْغَى في دِمَاهْ
وَسَمَعْنَا صَرْخَةً في رَعْدِهَا        سَوْطُ جَلاَّدٍ وَتَعْذِيْبُ إلَهْ
أَمَرَتْنَا فَعَصَيْنَا أَمْرَهَا           وَأَبَيْنَا الذُلَّ أَنْ يَغْشَى الجِبَاهْ
حَكَمَ الطَّاغي فَكُنَّا في العُصَاةْ    وَطُرِدْنَا خَلْفَ أَسْوَارِ الحَيَاةْ
أَنْتِ قَدْ صَيَّرْتِ أَمْرِي عَجَبَا       كَثُرَتْ حِوْليَ أَطْيَارُ الرُّبَى
فَإِذا قُلْتُ لِقَلْبي سَاعَةً             قُمْ نُغَرِّدْ لِسِوَى (لَيْلَى) أَبَى
حَجَب ٌ تَأْبى لِعَيْني مَأْرَبَا           غَيْرُ عَيْنَيْكِ وَتأبى مَطَّلَبَا
أَنْتِ مَنْ أَسْدَلَهَا لا تَدَّعي         أَنَّني أسْدَلْتُ هَذي الحُجُبَا
وَلَكَمْ صَاحَ بِيَ اليَأْسُ انْتزِعْهَا      فَيَرُدُّ القَدَرُ السَّاخِرُ: دَعْهَا
يَا لَهَا مِنْ خُطَّةٍ عَمْيَاءَ لَوْ        أَنَّني اُبْصِرُ شَيْئاً لَمْ اُطِعْهَا
وَلِيَ الوَيْلُ إِذَا لَبَّيْتُهَا            وَلِيَ الوَيْلُ إِذا لَمْ أَتَّبِعْهَا
قَدْ حَنَتْ رَأْسي وَلَو كُلُّ القِوَى  تَشْتَري عِزَّةَ نَفْسي لَمْ أَبِعْهَا
يَا حَبِيْباً زُرْتُ يَوْماً أَيْكَهُ          طَائِرَ الشَّوْقِ اُغَنّي أَلَمي
لَكَ إِبْطَاءُ المُدلِّ المُنْعِمِ            وَتَجَنّي القَادرِ المُحْتَكِمِ
وَحَنِيْني لَكَ يَكْوي أَضْلُعي     وَالثَّوَاني جَمَرَاتٌ في دَمي
وَأَنَا مُرْتَقِبٌ في مَوْضِعي     مُرْهَفُ السَّمْعِ لِوَقْعِ القَدَمِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق