ووعي المخاطـَب يمكن تلخيصه لأجل هذا المقال في أنه جماع الخبرات
الثقافية والاجتماعية واللغوية التي تمكن الانسان من إدراك الخطاب وفهمه واستيعابه
والتفاعل معه. وأهم ما يركن إليه الخطاب هو اللغة المستعملة فلا يمكن أن تخاطب
قوما ً بلغة لا يفهمونها وإلا بطل الخطاب. وفي اللغة نفسها لابد أن تستعمل القاموس
السائد وسط الجماعة المستهدفة بالخطاب وإلا أشكل عليهم بعض أو كل مما جاء بالخطاب وهذا
القاموس هو نتاج حياة تلك الجماعة وتطورها المعرفي الخاضع للاجتماعي
الاقتصادي الثقافي المحدود بتلك البيئة وذلك الزمان. فلغة الريف مثلا
ً ليس هي لغة المدينة ودلالات الكلمات والعبارات تختلف من منطقة إلى أخرى. بل إن
المنظومة القيمية نفسها تختلف بإختلاف المكان فلكل منطقة قاموسها الأخلاقي وحكمها
وأمثالها وقصصها وأساطيرها التي شكلت جزء من وجدانها المعرفي كما أن الكثير من
الكلمات في ذات الرقعة الجغرافية تكتسب بمرور الزمان معان ٍ ودلالات جديدة قد
تقترب أو تبتعد عما كانت عليه قبل مئة عام مثلا ً أو قد تموت الكلمة نفسها ويستعاض
عنها بأخرى وحيث أن الخطاب لابد أن يراعي كل تلك العوامل حتى يحقق أهدافه التي قيل
من أجلها ينبني على ذلك أن المخاطبين به هم الأدري بخفاياه والأكثر فهما ً ووعيا ً
بمقاصده مع مراعاة الفوارق في درجة الوعي بين أفراد ذلك المجتمع وكسب كل منهم من
المعارف المتاحة كما ينبني على ذلك أيضا ً أن المحدد الأساسي لفهم ذلك الخطاب لاحقا
ً أو عند تصديره إلى رقعة جغرافية أخرى هو وعي المخاطبين في زمان ومكان الخطاب.
ورغم أن
القرءان الكريم هو خطاب الحق عز وجل (المطلق غير متناهي العلم والمعرفة) ولكن وعي المخاطـَب القاصر
لحظة نزول الخطاب يقيد ذلك العلم والمعرفة اللامتناهيين ليأتي الخطاب في لغته وقاموسه يماثل وعي
المخاطب حتى يتمكن من الانفعال به والتفاعل معه وفهم ما جاء فيه
واستيعابه واكتساب ما فيه من معارف ومن ثم الالتزام به على ضوء كل ما سبق. وبالتالي
فإن أي تفسير لاحق لآي الذكر الحكيم يتجاوز وعي المخاطبين في ذلك الزمان والمكان
الذي نزل فيه القرءان الكريم يصبح سباحة في الظلام إن لم يكن إفتراء على الحق عز
وجل وتحريف قوله دون أي سند سوى العاطفة الجياشة التي قد يكون محركها النية الحسنة لنصرة
الاسلام. ولكن لا أظن أن ذلك يشفع لفاعله إذ أن تفسير الآيات الكريمة بصورة خاطئة
والبعد بها عما أراد لها الشارع الحكيم من مقاصد ينتج عنه تحريف تلك
الآية معنى ودلالة مما يعني تعطيلها (وإن بقيت الآية بين دفتي المصحف برسمها ولفظها) وهذا في نتيجته
النهائية يعادل وضع آية جديدة وإضافتها للكتاب الكريم وفي ذات الوقت حذف آية أخرى.
وجماعة الإعجاز العلمي في تقديري لا يسلمون مما سقناه بعاليه من تحريف الآيات وصرفها عن مقاصدها التي أراد لها الشارع مهملين جوهر الخطاب القرءاني فيها ليشغلوا أنفسهم ومن حولهم بتشبيه جاء ليقرب المعنى لذهن المخاطب (مثلا ً) فيتوهمونه إعجازا ً علميا ً يتوافق مع الحقيقة العلمية المكتشفة فينثنوا مهرقين الكثير من المداد متلاعبين بالألفاظ والكلمات والعبارات داخل الخطاب القرءاني ضاربين بمعانيها ودلالاتها عرض الحائط ليصلوا إلى نتيجة معدة مسبقا ً فالامتحان مكشوف (إذ أن الاكتشاف العلمي الذي يراد تفصيل بدلة له قد أصبح حقيقة ً ماثلة أمام الجميع ويمكن أخذ مقاساته بكل سهولة).
هذا هو واقع هؤلاء الإخوة وطريقة عملهم إذ لم نسمع بأنهم قد سبقوا العلم التجريبي يوما ً بإكتشاف أو حتى (بصصوا) أحد العلماء ليصل إلى اكتشاف جديد رغم الزخم الذي يلقونه عندنا وما يخصص لهم من الأموال والأنفس والثمرات والمباني لأجل ذلك ولن يستطيعوا مهما فعلوا، إذ أن الخطأ في الفكرة نفسها (التعامل مع القرءان كمرجع يحوي حقائق علمية) - وربما كانت ردة فعل لتخلفنا وعجزنا في هذا المضمار - إذ أنها بنيت على فهم مغلوط حول حقيقة الدين ومقاصد القرءان فلقد فات على هؤلاء الإخوة أن القرءان الكريم لم يتنزل ليصبح مرجعا ً علميا ً تطبيقيا ً وليس في آياته ما يشير لهذا الهدف كما لم يقل أي من السابقين الذين نزل القرءان بظهرانيهم ذلك وإنما هو كتاب توحيد وأخلاق في المقام الأول نزل على (محمد) صلى الله عليه وسلم (الهادي، الشاهد، المبشر، النزير، الداعي إلى الله) بلغة العرب وقاموسهم المتاح في ذلك الزمان مستخدما ً ما تعارف عليه القوم من أساليب بلاغية كالمجاز والتشبيه والتورية وغيرها، استخدمها في بلاغة عالية لتوصيل رسالة التوحيد وتقريب معانيها إلى ذهن المخاطبين لهدايتهم إلى الطريق القويم في الاعتقاد والمعاملات وتنظم شئونهم الانسانية فتستقيم حياتهم وينالوا الجزاء على ذلك في الآخرة وليس العلم التجريبي من جملة اهتماماته. وحتى ما ورد في هذا الخصوص من الآيات الكريمة التي يجوز عليها أن توصف بالحقيقة العلمية (حسب التقسيم الذي ظهر لاحقا ً) لم تكن تمثل كشفا ً معرفيا ً جديدا ً يكون غاية في حد ذاته وإنما كان من المعارف المتاحة في ذلك الزمان فبنى عليها الشارع الحكيم تشبيها ً أو تورية أو غيرها من الأغراض اللغوية البلاغية لأجل غاية توحيدية أو أخلاقية أخرى مما يدعو إليه دين الاسلام ونزل لأجله ذلك لتقريب الفهم أو أخذ العظة والعبرة والحكمة منها ولم ترد أبدا ً كحقيقة علمية. ومن هنا فعبارة (إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) لم ترد كحقيقة حتى يقوم أحد العلماء بتحليل نسج العنكبوت في المعمل ليثبت صحة أو خطأ ذلك الجزء من الآية. إذ أنه من الواضح أن الآية الكريمة تعتمد وعي المخاطب الذي يعتقد ذلك وتستعمل ذلك الاعتقاد لتقريب مفاهيم جديدة مشبهة هذه بتلك فمقصد الآية الكريمة ليس التأكيد على ذلك الفهم الشائع أو المتاح حول بيت العنكبوت أو نسجه فغرضها توحيدي محض فلقد أراد الشارع الحكيم أن يشبه حال الذين اتخذوا من دون الله أولياء ويقرب الفهم إلى ذهن المخاطب حتى يتمثل حال من اتخذ دون الله وليا ً. فما دام أن وعي المخاطب أو الوعي المتاح له يقول أن (أوهن البيوت هو بيت العنكبوت) فليس هنالك تشبيه أبلغ عنده يوصف حال من اتخذ وليا ً دون الله من هذا التشبيه. (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ). وبالتالي لسنا مطالبين أن نؤمن بأن أوهن البيوت هو بيت العنكبوت فهذه الفقرة لغوية بلاغية (تشبيه) وإنما مطالبين بأن لا نتخذ دون الله أولياء وهو الأساس الذي نزلت الآية لأجله متوافقة مع مقاصد الدين وأسباب الرسالة. وينتج عن ذلك بطلان الحديث عن الإعجاز لدى الإعجازيين في الآية وأيضا ً بطلان الطعن في صحة عبارة (أوهن البيوت لبيت العنكبوت) كحقيقة. فليس هنالك ما يهز إيمان المسلم إذا أثبت العلم أن بيت العنكبوت ليس أوهن البيوت مثلا ً أو أثبت أن الحبل المصنوع من نسجها أقوى من الحديد الصلب فلقد كان المحمول الأساسي في الآية الكريمة هو حقيقة توحيدية يراد توصيلها إلى ذهن المخاطب وتم تقريبه بتشبيه يلائم وعي المخاطب (الذي يمكن أن يطابق الحقيقة أو يخالفها). وقس على ذلك ما يورده الإخوة الإعجازيين من إعجاز علمي آخر لا يسنده سوى تلاعبهم بالألفاظ والعبارات فستكتشف أن ما يدعى بإعجازه هو من المتاح عند المخاطبين حسب وعيهم في ذلك الزمان وورد في الآيات ليس لتأكيده أو تصحيحه أو نفيه وإنما جاء لتقريب المعنى تشبيها ً أو تورية أو بغرض التفكر والتدبر لتوصيل الحقيقة التوحيدية أو القيمة الأخلاقية التي يريد لها الحق عز وجل أن تسود بين عباده.
هذا هو واقع هؤلاء الإخوة وطريقة عملهم إذ لم نسمع بأنهم قد سبقوا العلم التجريبي يوما ً بإكتشاف أو حتى (بصصوا) أحد العلماء ليصل إلى اكتشاف جديد رغم الزخم الذي يلقونه عندنا وما يخصص لهم من الأموال والأنفس والثمرات والمباني لأجل ذلك ولن يستطيعوا مهما فعلوا، إذ أن الخطأ في الفكرة نفسها (التعامل مع القرءان كمرجع يحوي حقائق علمية) - وربما كانت ردة فعل لتخلفنا وعجزنا في هذا المضمار - إذ أنها بنيت على فهم مغلوط حول حقيقة الدين ومقاصد القرءان فلقد فات على هؤلاء الإخوة أن القرءان الكريم لم يتنزل ليصبح مرجعا ً علميا ً تطبيقيا ً وليس في آياته ما يشير لهذا الهدف كما لم يقل أي من السابقين الذين نزل القرءان بظهرانيهم ذلك وإنما هو كتاب توحيد وأخلاق في المقام الأول نزل على (محمد) صلى الله عليه وسلم (الهادي، الشاهد، المبشر، النزير، الداعي إلى الله) بلغة العرب وقاموسهم المتاح في ذلك الزمان مستخدما ً ما تعارف عليه القوم من أساليب بلاغية كالمجاز والتشبيه والتورية وغيرها، استخدمها في بلاغة عالية لتوصيل رسالة التوحيد وتقريب معانيها إلى ذهن المخاطبين لهدايتهم إلى الطريق القويم في الاعتقاد والمعاملات وتنظم شئونهم الانسانية فتستقيم حياتهم وينالوا الجزاء على ذلك في الآخرة وليس العلم التجريبي من جملة اهتماماته. وحتى ما ورد في هذا الخصوص من الآيات الكريمة التي يجوز عليها أن توصف بالحقيقة العلمية (حسب التقسيم الذي ظهر لاحقا ً) لم تكن تمثل كشفا ً معرفيا ً جديدا ً يكون غاية في حد ذاته وإنما كان من المعارف المتاحة في ذلك الزمان فبنى عليها الشارع الحكيم تشبيها ً أو تورية أو غيرها من الأغراض اللغوية البلاغية لأجل غاية توحيدية أو أخلاقية أخرى مما يدعو إليه دين الاسلام ونزل لأجله ذلك لتقريب الفهم أو أخذ العظة والعبرة والحكمة منها ولم ترد أبدا ً كحقيقة علمية. ومن هنا فعبارة (إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) لم ترد كحقيقة حتى يقوم أحد العلماء بتحليل نسج العنكبوت في المعمل ليثبت صحة أو خطأ ذلك الجزء من الآية. إذ أنه من الواضح أن الآية الكريمة تعتمد وعي المخاطب الذي يعتقد ذلك وتستعمل ذلك الاعتقاد لتقريب مفاهيم جديدة مشبهة هذه بتلك فمقصد الآية الكريمة ليس التأكيد على ذلك الفهم الشائع أو المتاح حول بيت العنكبوت أو نسجه فغرضها توحيدي محض فلقد أراد الشارع الحكيم أن يشبه حال الذين اتخذوا من دون الله أولياء ويقرب الفهم إلى ذهن المخاطب حتى يتمثل حال من اتخذ دون الله وليا ً. فما دام أن وعي المخاطب أو الوعي المتاح له يقول أن (أوهن البيوت هو بيت العنكبوت) فليس هنالك تشبيه أبلغ عنده يوصف حال من اتخذ وليا ً دون الله من هذا التشبيه. (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ). وبالتالي لسنا مطالبين أن نؤمن بأن أوهن البيوت هو بيت العنكبوت فهذه الفقرة لغوية بلاغية (تشبيه) وإنما مطالبين بأن لا نتخذ دون الله أولياء وهو الأساس الذي نزلت الآية لأجله متوافقة مع مقاصد الدين وأسباب الرسالة. وينتج عن ذلك بطلان الحديث عن الإعجاز لدى الإعجازيين في الآية وأيضا ً بطلان الطعن في صحة عبارة (أوهن البيوت لبيت العنكبوت) كحقيقة. فليس هنالك ما يهز إيمان المسلم إذا أثبت العلم أن بيت العنكبوت ليس أوهن البيوت مثلا ً أو أثبت أن الحبل المصنوع من نسجها أقوى من الحديد الصلب فلقد كان المحمول الأساسي في الآية الكريمة هو حقيقة توحيدية يراد توصيلها إلى ذهن المخاطب وتم تقريبه بتشبيه يلائم وعي المخاطب (الذي يمكن أن يطابق الحقيقة أو يخالفها). وقس على ذلك ما يورده الإخوة الإعجازيين من إعجاز علمي آخر لا يسنده سوى تلاعبهم بالألفاظ والعبارات فستكتشف أن ما يدعى بإعجازه هو من المتاح عند المخاطبين حسب وعيهم في ذلك الزمان وورد في الآيات ليس لتأكيده أو تصحيحه أو نفيه وإنما جاء لتقريب المعنى تشبيها ً أو تورية أو بغرض التفكر والتدبر لتوصيل الحقيقة التوحيدية أو القيمة الأخلاقية التي يريد لها الحق عز وجل أن تسود بين عباده.
الخرطوم – أغسطس 2013م