التسميات

الأربعاء، 1 مايو 2013

المـزامـيـــر

1
آهـٍ يا حبيبتي ،
أين يـد ُ الله ؟!
أشك ُّ أنه يهمـل ُ عبـاده بعض َ الأحيـان ْ،
ولا يهتـم ُّ كثيرا ً لضراعاتهم ودموعهم ..!
ربما لا يرى أيديهـم النحيـلة َ المعروقـة ْ،
الممتدة َ نحو عرشه ِ المهيب ِ وسط الظلمة ْ ..!
أو ربما يتجاهلهم عمـدا ً ..!


2
آهـ ٍ يا حبيبـتي ..!
ما كان لي أن أقـول َ ذلك ْ،
ولكنه الألم َ صنو ُ الشـك ْ،
والعذاب َ أخ ُ الكفـر ْ..!
ففي هـذا العالم ِ القاسي ،
حيث ُ خلف كـل ِّ حجر ٍ عدو ٌ متحفـِّز ٌ ،
حيث ُ القوة ُ الباطشة ُ العمياء ُ تجوب الشوارع َ الصامتة ْ،
والحزن ُ الأخرس ُ يمشي في الأسـواق ْ ،
نحتـاج ُ ليـد ِ الله القـادرة ِ الخيـِّرة ،
نحتـاج ُ لنـوره المقـدس ِ تحت أقدامنـا ،
ولكنه يسمعنـا ولا يستجيـب ..!
يرى عذاباتنـا ولا يحـرِّك ُ ساكنـا ً ..!
آهـٍ يا حبيبـتي ..!
فعندما لا يهتـم ُّ القـادر ُ الرحيـم ُ لتذلل الرجـال ْ،
ولا تحزنـُهُ دمـوع ُ الورود ِ المجروحـة ْ،
بل يترك ُ صغـارَ العصافيـر ِ في درب ِ العاصفـة ْ،
ويراقـب ُ، فقط ، عبث َ الشرير ِ دون َ أن يتدخـَّل ْ،
حين يكون ُ الله ُ محايـدا ً في مثل ِ هذه المعـركة ِ المقدسـة ْ،
فهو يدفعنا نحو هاوية ِ اليـأس دفعـَا ً
ويجعلنا نبدو كافـرَيـن في عيـون ِ خلـقـِه ِ ...!

3
وداعا ً يا حبيبـتي ..!
سأذهب ُ بنفسي ،
لأفعل َ ما يجب ُ على الرجال ِ الشرفاءِ فعلـه ..!
ربما هي خطة ُ القادر الحكيم ْ
أن يتركنا نواجه ُ مصائرنا بأنفسنـا
وأن نكون َ مثالا ً للأحرار ْ
أن نقف في وجه َ أعداء الحياة ِ ونبطـل خطتهم ْ
أن نقارعهم ْ
بكل ِّ ما منحنا إيـاه ُ الخالـق ْ
من شرف ٍ وصمود ٍ وشجـاعة ْ ..!

4
سأذهب بنفسي ،
فلا تحزني يا أيقونتي الجمـيلة ْ
يا حزمة َ سنابـل ٍ مثقلـة ً بالبيـوض ،
يا رائعة َ العينـين ِ والحـزن ْ،
يا فارعة َ الأمل ِ والألـم ْ ..!
أيتها "المقمـَّرة" في رحم أمها 1
سألقـاك ِ في ملكوتـه، هناك ْ..!
ستكون ُ أيامنـا خالدة ً بقـدر ما احتملنـا من جـراح ْ..!
حيث ُ لن يغتصب َ أحدهم الفـرح َ من شفتيك ْ،
ولن يثقـل َ قلبـك الطـري هـم ٌ...!
هنـاك ْ،
حيث السعـادة ُ الأبديـة ْ،
هنـاك ْ،
تنتظـرنا الأيـام ُ الخالـدة ْ،
هنـاك ْ،
تكونـين لي ..!
 
5
حين تشرق عيون ُ السيـدات ْ،
السيدات الصغيرات ُ الجميلات ْ،
وكلهن حبيبـتي ،
النازلات ُ نحو الوادي في حـذر ٍ ميـَّاس ْ
كورود ٍ مفعمة ٍ بالنشـاط والأحزان ْ،
حيث ُ حقول الدخن ِ والسمسم ِ والكركـدي ،
والفول السوداني لذيـذ الطعـم والاسـم ْ،
وهن يغنين أحزانهن الشفيفة ْ،
فيردد الصدى : " الزول، الزول، مالو ما جاء ؟!" 2
ويتجاوزن البرد َ واليتـم َ بجمع ِ عيدان ِ الطلح والشاف 3
فينير العتمة َ خيال ُ الحبيب ِ وتنـدي العيون ْ،
حين تخرج ُ أولئك السيدات ُ الجميلات ْ،
وكلهن حبيبـتي ،
مع صياح ِ ديك ٍ عجـول ْ،
بعـد أن صليـن الفجـر َ آيـات ٍ وآهـات ْ ،
حين َ تشرق عيـون أولئك السيدات الجميلات،
وكلهن حبيبتي،
بعد أن ودعهن َّ الرجال ُ، مسرعين ، خوف َ الضعف ْ،
وخلـَّفوا لهن َّ تلك التركة َ المفجعة ْ:
(حمائم َ، وعصافير َ وليالي باردة ْ،
ونهـودا ً شابة ً تتعطش ُ للبلل ْ،
وشيئا ً من سـدر ٍ قليل ْ)،
حين تشرق عيون ُ أولئك الجميلات ْ،
أولئك الرفيقات ُ الرائعات ْ،
وكلهن حبيبـتي ،
حتما ً سينظـر ُ الله ُ الرحيـم ُ لأحزانهن
وينير ُ الطريق َ أمام أولئـك الراحلـين َ الشجعـان ..!
..............

                                     الخرطوم –  أبريل 2013م
1 التقمير : (من العربية السودانية) وتعني إكساب الخبز اللون الأسمر بإبقائه مدة ً أطول داخل الفرن في درجة حرارة متوسطة ويقال : " رغيف مقمـَّر " بتشديد الميم وفتحها وينطق القاف ( g ).
2 أغنية شعبية سودانية مما اصطلح على تسميته بأغاني البنات ويؤدينها بصورة جماعية في الأعراس. والزول في العربية السودانية يعني الشخص. وهو هنا يعني الحبيب ومعنى الأغنية أين ذهب الحبيب ولماذا لم يأت ِ في الموعد.
3 تستخدم المرأة السودانية المتزوجة عيدان الطلح والشاف لإكساب جسمها لونا ً ورائحة عطرية مميزة. حيث تحرق تلك العيدان في (حفرة الدخان) وتجلس المرأة بقربها ليستقبل جسمها الدخان.  يقول شاعرنا الكبير (محمد المهدي المجذوب) رحمه الله :
( وحفرة ٌ بدخان الطلح فاغمة - تندي الروادف تلوينا ً وتعطيرا
لمحت ُ فيها ، وما أمعنت ُ، عارية ً - تخفي وتظهر مثل النجم مذعورا
مدت بنانا ً به الحناء يانعة - ترد ثوبا ً إلى النهدين محسورا
قد لفها العطر لف الغيم منتشرا ً - يزيد ناهدها المشدود تدويرا
أرخى الدخان لها سترا ً فابعدها - كدرة ٍ في ضمير البحر مسجورا ).  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق