لـم يكـن (شريف) ليعـرفه الكـثيرون منـَّا فلقـد طالت غيـبـته عن القـرية لأكثـر من ثلاثـين عاما ً وفي المـرات القـلائل التي تأتي سيـرته على لسـان أحـد مـن السكان، كان المتحـدث يتلفـت حوله ثم يخفـض صوتـه حتى يغـدو كالهمـس وتقـترب رؤوس الرجال من بعضها البعض وهم يتبـادلون حـوارا ً قصيـرا ً ومتعجـلا. ودائما ً ما كانوا يصمتـون أو يغيـرون مجـرى الحديـث حين يلـوح في بداية الزقـاق والـده الشيخ (عبد النبي ود صالح) متجها ً نحوهـم أو تبـدو أمـه الحاجة (آمنة بنت سليمان) قادمة ً نحـو الدكان.
لكن اليوم أصبح الجميع يتحدثون عن (شريف) بقـدر ٍ عظيـم ٍ من الحرية والكثيـر من الفخـر. أصبح الحديث عنـه مزيجا ً من الاحترام والدهشـة والقداسـة. بل أصبحت قصـة حياة (شريف) من المآثـر الخالدة التي سيـفاخر بها أهـل قريتـنا القرى المجاورة إن طال النقـاش ميـدان الشجاعة والبطولة والفروسية ، كيف لا وهـو الرجل الذي تصدى لجمـع ٍ غـفـير ٍ من الشياطين وقاتلهم حتى أفـناهم عن بكـرة أبـيهم.
أول مـرة ٍ أسمـع فيـها عـن (شريف ود عبد النبي) كانت قبـل عشـرة أعوام ٍ أو يزيـد. كنا يومها نلعـب على ضفـة النهـر نحـو ثمـانيـة أطفـال. (عبد الله ود الطاهر) كان أمهرنا في تشيـيد قباب الرمـل وتزيـينها بالأصداف والمحـار وقـشـر الأسمـاك ولكن (أحمد ود عبد النبي) وكان وقـتها شقـيـا ً إبليسي السلوك دائما ً ما كان يحطـِّم تلك القباب الجميلة ويدوس مكوناتها الرقـيـقـة بقدميه الكبيـرتيـن ويساوي بها الأرض وكان ذاك يقودهما دائما ً إلى الصدام والعـراك الذي كان ينتهي بانتـصار (أحمد ود عبد النبي) بحكم بنيـته الجسـدية القـوية. يومـا ً ما حيـن وصل (عبد الله) إلى أقصى درجات الألم والإحساس بالظلم والقهـر صرخ في وجه المعتـدي بقـوله : "أخـوك الكافـر ... أخـوك الكافـر ..!" ويـبدو أن هـذه العبارة قد لاقـت صدى حسنا ً في نفوسنا جميعا ً إذ سرعـان ما تحلـقـنا حـول (أحمد ود عبد النبي) وأخذنا نهتـف ونحن ندور حوله : "أخـوك الكافـر ... أخـوك الكافـر ..!" ولم يكن أمام المسكـين سـوى أن ينفجـر بالبكاء ، ومـن ثـم يعـدو نحـو منـزلهم يجلله العـار. ولم نكن نعـرف من هو أخـوه الكافـر ذاك وكيف كفـر ولكن يبـدو أن (عبد الله ود الطاهر) يعرف ، فلقـد أخبـرنا لاحقـا ً أن (أحمد ود عبد النبي) لديـه أخ اسمه (شريف) يكفـر بالله وما أنزل على الرسول (محمد) صلى الله عليه وسلم مما جلب عليه غضب الحكومة، يقول (عبد الله ود الطاهر) أنه سمع أمـه وأباه يتحدثان بذلك في إحدى الليالي. أرعبتـنا تلك المعلومة الغريبة المدهشة في جرأتها كثيـرا ً. أخذنا نتـداولها بينـنا لأيام ٍ كأحد الأسـرار الهائلة والمقـدسة ، سـرٌ يخـصنا وحدنـا، كنا نخـرج إلى النهـر بعيدا ً عن العـمران وأعيـن الكبـار ومن ثـم نتحلـق حول (عبد الله ود الطاهر) نستعيـد ما قاله سابقـا ً ونتجـادل حوله محاوليـن أن نضـع صـورة ً متخيـلة لذاك الكافـر فنـفـشـل، فكـون الرجل من قريتـنا وشـقيـق صديقـنا وقريـب بعضنـا، كل ذلك جعـل من الصعب أن تتطابق صـورته مـع الصـورة المفتـرضة للكفـَّار في مخيلتـنا. ثم لم نلبـث أن نسينا الأمـر بـرمته ونسـينا وجـود (شريف ود عبد النبـي) نفـسه. والآن بعد عشـر أعـوام من هذه الحادثة إذا بالرجـل يعود إلى مسرح الأحداث بقوة والسبب "سـَرايَا" (مَاكْ مَيكْ) أو البيت المسكون.
قبل ما يقـرب مـن عام لاحظ سكـَّان القريـة أن حركـة مريبة تـدور في "سرايـا" (مَاكْ مَيكْ)، وهي مبنى واسـع يتكـون من طابقيـن شـُيـِّد في عهـد الاستعمـار وكان مخصصا ً لسكنى المفتـش الإنجليزي المشرف على المشروع الزراعي في قريتـنا وقـد استغله المفتشون الوطنيـون مـن بعـده ثم هُجـر بعـد أن جـف َّ المشروع وتعطـَّـلت "البَيـَّارَةُ" الوحيدة التي كانت ترويـه ولم يعـد يسكن تلك "السرايا" سـوى البـوم والخفافيـش وقـد كنت أمـرُّ بها دائما ً حين أسيـر في الطريق المؤدي إلى المقابر حيث مقـام وضـريح سيدي الشيخ (فضـل الله) قدس سـره، فلا تلفـت انتباهي أو تثير لدي أي احساس بالغرابة. كانت "السرايا" تتوسط الخلاء في فضاء فسـيح يغري بالعـَدْو وفي موسم الأمطار كانت النباتات الطفيلـية تغطيها من كل جانب حتى تكاد تخفيـها عن الأعين ورغـم ذلك لـم يأتِ على خيـال أي منـَّا أن سرايـا (مَاك ْ مَيك ْ) يمكـن أن تروق لأحـد سكان العالـم السفلي ليتخـذها وكرا ً لنشـاطه إلى أن لاحـظ البعـض في إحدى الليالي أن الحياة تـدب في "السرايا" المهجورة ولكن يا لها من حيـاة. إذ أخـذت الصرخات ُ تنـدفـع من خلال نوافـذ المبنى بعد منتصف الليل بقليـل ، صرخات مرعـبة وصياح وبكاء وعويـل واستغاثات تمزق نياط القلب تخالطـها بعض الأحيـان شتائـم مقـذعة تعلو بها بعض الأصوات الغاضبة كانت تستغـرق الليل بطولـه في بعض الأحيـان وحين ينبلج الفجـر يعـود الصمـت البـارد يجـوس في المكان وتعـود "السرايا" إلى سابق عهدها من السكـون والوحشـة. ولم يجرؤ أحـد ٌ من سكان القرية على الاقتراب من "السرايا" أو تحدثه نفسه بالذهاب إلى هناك ومعرفة ما يجري إذ بـدا الأمـر للجميـع غريبـا ً وخارقـا ً للمألوف لا يستبعـد أن يكون لقبــيل الجـن يـد ٌ فيه ، وهـذا ما اتضـح لنـا جليـا ً بعـد ذلك وشهـد عليـه مسؤلو الحكومة.
فبعد أن تكرر الأمـر وأصبح عادة ً راتبة سافـر شيخ القرية وبعض الأعيان إلى المدينة الكبيـرة ووضعـوا الأمـر أمام السلطات والتي أمرتهم بتحذير جميع سكان القرية من الاقتـراب من "السرايا" من بعد صلاة العشاء وحتى الفجر فلابـد من أنها أرواح الإنجليز الملعونة عادت لتسكن "السـرايا" وتتـنازع في أيهم أحـق بإدارتها والاشراف عليها. من جانـبهم أنفـذ شيخ القرية والأعيـان أمـر السلطات في حـزم حيث جمعوا كل السكان وافضوا لهـم بحقيقـة الأمـر وحذروهم من الاقـتراب من "سرايـا" (مَاكْ مَيكْ) ووضعوا عقوبات رادعة لكل من يخالف تلك الأوامر. الشيخ (باب الله) إمام المسجد أضاف أمـرا ً آخر لما قال به المسؤلون إذ وجـَّه السكان بالاكثار من الصلاة والاستغـفار والدعـاء عسى أن يكف الله شـر تلك الأرواح النجـسة عن قريتهم لترحل وتعـود مـن حيث أتـت. ذلك الاقتراح وجـد صـدىً حسنا ً في نفـوس السكان واصبحت تلك عادة ً راتبة ً في مسجد القرية ، يجتمع الناس في الضحى فيؤمهم الشيخ (باب الله) فيكثروا مـن الصلاة والاستغـفار والدعاء على تلك المخلوقات الغريبة.
ولكن ظل الحال كما هو عليه زمانا ً طويلا ً وتلك
الأرواح الكافـرة تفعل أفعالها المنكرة في سرايا (مَاكْ مَيكْ) دون أن تأبـه لكثـرة صلاتنا أو عظيم دعائنا وأوراد الشيخ (باب الله) إلى أن وجدنا أنفسنا في ذلك الضحى ننـدفع من داخل المسجـد مهرولين نحو "السرايا" دون تفكيـر، بل دون أن يذكـر أي منـَّا تحذيـر السلطات أو يخشى مغـبة ما يفعـله. اندفع جميع المصلـين نحو البيت المسكون ، إلى حيث كانت الآلة المجنونة تهدر بصرخاتٍ شيطانيةٍ قاسـية. أسرعوا إلى حيث
الرصاص، البارود ورائحة الموت، ليجدوه منتصبا ً أمام "السرايا" وعيناه شاخصتان إلى السماء
وبندقـيـته
في يمناه وقد نفـذت رصاصاتها. كان داكن اللون وكأنه طـُمر تحت الطمي
لسنواتٍ
طويلة. بدا بقامـته الفارعة ورأسـه الأصلع وذقنـه المشعـث الأشيـب وتلك الأسمال التي لا
تكاد
تسـتر عورته وقد خضبتها الدماء والعـرق وهو في وقفـته الشامخة وسط الفضاء
اللانهائي
وقـد جللته الحمـرة القانية التي انبعـثت من الشـرق، بدا وكأنه مخلـوق ٌ أسطوريٌ
هبط من
السماء لتـوه. كنت ُ أول من وصل إلى حيث يقـف الرجل، خيل إلي أنه يخاطبني
بقولـه: "أنا
(شريف) ... (شريف) ... (ود عبد النبي) ..." صمت الرجل وقد تغضـن
وجهـه وكأنـه يعـاني ألما ًخرافياً مميـتا ً ثم عـاد يجـز ُّ على أسنانه بقوةٍ وكأنه
يستدعي كل قـدراته ليهمـس قائلا ً: "سلم لي على ناس الحلـة كلهم ... قول ليهم (شريف) قتـل الشياطين ... كلهم ميتين جوَّه!" قالها ثـم خـر َّ على الأرض كعمـود ٍ هائـل.
ومن الباب الخلفي للسرايا خرج صـف ٌ طويـل من الرجـال نحيلي الأجسـاد يسيرون منهكيـن نحـو الطريق المـؤدي إلى النهـر. تتبعـتهم ببصـري إلى أن اختـفوا خلف غابـة السنـط القريـبة.
لكن اليوم أصبح الجميع يتحدثون عن (شريف) بقـدر ٍ عظيـم ٍ من الحرية والكثيـر من الفخـر. أصبح الحديث عنـه مزيجا ً من الاحترام والدهشـة والقداسـة. بل أصبحت قصـة حياة (شريف) من المآثـر الخالدة التي سيـفاخر بها أهـل قريتـنا القرى المجاورة إن طال النقـاش ميـدان الشجاعة والبطولة والفروسية ، كيف لا وهـو الرجل الذي تصدى لجمـع ٍ غـفـير ٍ من الشياطين وقاتلهم حتى أفـناهم عن بكـرة أبـيهم.
أول مـرة ٍ أسمـع فيـها عـن (شريف ود عبد النبي) كانت قبـل عشـرة أعوام ٍ أو يزيـد. كنا يومها نلعـب على ضفـة النهـر نحـو ثمـانيـة أطفـال. (عبد الله ود الطاهر) كان أمهرنا في تشيـيد قباب الرمـل وتزيـينها بالأصداف والمحـار وقـشـر الأسمـاك ولكن (أحمد ود عبد النبي) وكان وقـتها شقـيـا ً إبليسي السلوك دائما ً ما كان يحطـِّم تلك القباب الجميلة ويدوس مكوناتها الرقـيـقـة بقدميه الكبيـرتيـن ويساوي بها الأرض وكان ذاك يقودهما دائما ً إلى الصدام والعـراك الذي كان ينتهي بانتـصار (أحمد ود عبد النبي) بحكم بنيـته الجسـدية القـوية. يومـا ً ما حيـن وصل (عبد الله) إلى أقصى درجات الألم والإحساس بالظلم والقهـر صرخ في وجه المعتـدي بقـوله : "أخـوك الكافـر ... أخـوك الكافـر ..!" ويـبدو أن هـذه العبارة قد لاقـت صدى حسنا ً في نفوسنا جميعا ً إذ سرعـان ما تحلـقـنا حـول (أحمد ود عبد النبي) وأخذنا نهتـف ونحن ندور حوله : "أخـوك الكافـر ... أخـوك الكافـر ..!" ولم يكن أمام المسكـين سـوى أن ينفجـر بالبكاء ، ومـن ثـم يعـدو نحـو منـزلهم يجلله العـار. ولم نكن نعـرف من هو أخـوه الكافـر ذاك وكيف كفـر ولكن يبـدو أن (عبد الله ود الطاهر) يعرف ، فلقـد أخبـرنا لاحقـا ً أن (أحمد ود عبد النبي) لديـه أخ اسمه (شريف) يكفـر بالله وما أنزل على الرسول (محمد) صلى الله عليه وسلم مما جلب عليه غضب الحكومة، يقول (عبد الله ود الطاهر) أنه سمع أمـه وأباه يتحدثان بذلك في إحدى الليالي. أرعبتـنا تلك المعلومة الغريبة المدهشة في جرأتها كثيـرا ً. أخذنا نتـداولها بينـنا لأيام ٍ كأحد الأسـرار الهائلة والمقـدسة ، سـرٌ يخـصنا وحدنـا، كنا نخـرج إلى النهـر بعيدا ً عن العـمران وأعيـن الكبـار ومن ثـم نتحلـق حول (عبد الله ود الطاهر) نستعيـد ما قاله سابقـا ً ونتجـادل حوله محاوليـن أن نضـع صـورة ً متخيـلة لذاك الكافـر فنـفـشـل، فكـون الرجل من قريتـنا وشـقيـق صديقـنا وقريـب بعضنـا، كل ذلك جعـل من الصعب أن تتطابق صـورته مـع الصـورة المفتـرضة للكفـَّار في مخيلتـنا. ثم لم نلبـث أن نسينا الأمـر بـرمته ونسـينا وجـود (شريف ود عبد النبـي) نفـسه. والآن بعد عشـر أعـوام من هذه الحادثة إذا بالرجـل يعود إلى مسرح الأحداث بقوة والسبب "سـَرايَا" (مَاكْ مَيكْ) أو البيت المسكون.
قبل ما يقـرب مـن عام لاحظ سكـَّان القريـة أن حركـة مريبة تـدور في "سرايـا" (مَاكْ مَيكْ)، وهي مبنى واسـع يتكـون من طابقيـن شـُيـِّد في عهـد الاستعمـار وكان مخصصا ً لسكنى المفتـش الإنجليزي المشرف على المشروع الزراعي في قريتـنا وقـد استغله المفتشون الوطنيـون مـن بعـده ثم هُجـر بعـد أن جـف َّ المشروع وتعطـَّـلت "البَيـَّارَةُ" الوحيدة التي كانت ترويـه ولم يعـد يسكن تلك "السرايا" سـوى البـوم والخفافيـش وقـد كنت أمـرُّ بها دائما ً حين أسيـر في الطريق المؤدي إلى المقابر حيث مقـام وضـريح سيدي الشيخ (فضـل الله) قدس سـره، فلا تلفـت انتباهي أو تثير لدي أي احساس بالغرابة. كانت "السرايا" تتوسط الخلاء في فضاء فسـيح يغري بالعـَدْو وفي موسم الأمطار كانت النباتات الطفيلـية تغطيها من كل جانب حتى تكاد تخفيـها عن الأعين ورغـم ذلك لـم يأتِ على خيـال أي منـَّا أن سرايـا (مَاك ْ مَيك ْ) يمكـن أن تروق لأحـد سكان العالـم السفلي ليتخـذها وكرا ً لنشـاطه إلى أن لاحـظ البعـض في إحدى الليالي أن الحياة تـدب في "السرايا" المهجورة ولكن يا لها من حيـاة. إذ أخـذت الصرخات ُ تنـدفـع من خلال نوافـذ المبنى بعد منتصف الليل بقليـل ، صرخات مرعـبة وصياح وبكاء وعويـل واستغاثات تمزق نياط القلب تخالطـها بعض الأحيـان شتائـم مقـذعة تعلو بها بعض الأصوات الغاضبة كانت تستغـرق الليل بطولـه في بعض الأحيـان وحين ينبلج الفجـر يعـود الصمـت البـارد يجـوس في المكان وتعـود "السرايا" إلى سابق عهدها من السكـون والوحشـة. ولم يجرؤ أحـد ٌ من سكان القرية على الاقتراب من "السرايا" أو تحدثه نفسه بالذهاب إلى هناك ومعرفة ما يجري إذ بـدا الأمـر للجميـع غريبـا ً وخارقـا ً للمألوف لا يستبعـد أن يكون لقبــيل الجـن يـد ٌ فيه ، وهـذا ما اتضـح لنـا جليـا ً بعـد ذلك وشهـد عليـه مسؤلو الحكومة.
فبعد أن تكرر الأمـر وأصبح عادة ً راتبة سافـر شيخ القرية وبعض الأعيان إلى المدينة الكبيـرة ووضعـوا الأمـر أمام السلطات والتي أمرتهم بتحذير جميع سكان القرية من الاقتـراب من "السرايا" من بعد صلاة العشاء وحتى الفجر فلابـد من أنها أرواح الإنجليز الملعونة عادت لتسكن "السـرايا" وتتـنازع في أيهم أحـق بإدارتها والاشراف عليها. من جانـبهم أنفـذ شيخ القرية والأعيـان أمـر السلطات في حـزم حيث جمعوا كل السكان وافضوا لهـم بحقيقـة الأمـر وحذروهم من الاقـتراب من "سرايـا" (مَاكْ مَيكْ) ووضعوا عقوبات رادعة لكل من يخالف تلك الأوامر. الشيخ (باب الله) إمام المسجد أضاف أمـرا ً آخر لما قال به المسؤلون إذ وجـَّه السكان بالاكثار من الصلاة والاستغـفار والدعـاء عسى أن يكف الله شـر تلك الأرواح النجـسة عن قريتهم لترحل وتعـود مـن حيث أتـت. ذلك الاقتراح وجـد صـدىً حسنا ً في نفـوس السكان واصبحت تلك عادة ً راتبة ً في مسجد القرية ، يجتمع الناس في الضحى فيؤمهم الشيخ (باب الله) فيكثروا مـن الصلاة والاستغـفار والدعاء على تلك المخلوقات الغريبة.
ومن الباب الخلفي للسرايا خرج صـف ٌ طويـل من الرجـال نحيلي الأجسـاد يسيرون منهكيـن نحـو الطريق المـؤدي إلى النهـر. تتبعـتهم ببصـري إلى أن اختـفوا خلف غابـة السنـط القريـبة.
أم درمان - يوليو 2012م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق