التسميات

الثلاثاء، 8 مارس 2016

التطليق في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لسنة1991م (3)

الخلع، الطلاق على مال والفدية :  

      نحيي المرأة في يوم عيدها ونواصل حديثنا عن التطليق. ولنبدأ بأقل الأسباب شأنا ً من الناحية القانونية وأكبرها من الناحية الإنسانية وهي فداء المرأة نفسها وشراؤها حريتها. وتنحصر في الخلع والفدية والطلاق على مال، وكلها طلاق بائن بمعنى أن لا يجوز إرجاع الزوجة إلا بعقد ومهر جديدين وبشروط الزواج المعروفة. ولا فرق بين هذه الأسباب الثلاثة إلا من الناحية الشكلية التي يعتد بها القانونيون فقط كثبوت نشوز الزوجة ومرور عام كامل عليه في حالة التطليق على فدية، وذكر لفظ الخلع في حالته. فملخص تلك الأسباب الثلاثة هو أن تدفع الزوجة للزوج مبلغ من المال نقدا ً أو عينا ً مقابل أن يوقع عليها يمين الطلاق. وهذا العرض في تقديري وحسب قيم مجتمعاتنا حتى الآن، هو أكبر صفعة يمكن أن توجهها لك المرأة، فحين تصل زوجتك إلى درجة أن تعرض عليك المال في سبيل أن (توريها عرض أكتافك) فهذا يعني منتهى الكره وقمة الاحتقار. ولا أظن أن رجلا ً (محدثاه نفسه) يقبل بأن يأخذ مالا ً من امرأة مقابل أن يوقع عليها الطلاق. كما أن هذا كفيل بتدمير سمعته إلى الأبد فلن يستطيع الزواج بعدها ولن ترضى فتاة أو أي أسرة بتزويجه. ولله الحمد لا أرى في محاكمنا مثل هذه الدعاوى ويمكن بقليل من الحذر أن تصنف هذه الدعاوى بدعاوى الطبقة المرفهة إذ أنها لا تعتمد على أي أسباب موضوعية يعتد بها أو تستحق الاحترام. فالكادحون مثلا ً تنتشر بينهم دعاوى التطليق للإعسار وعدم الإنفاق والغياب والحبس والضرر وكلها تعتمد على مسببات موضوعية يتحمل المجتمع ونظامه الاجتماعي الاقتصادي السياسي الكثير من وزرها. أما حينما لا تملك الزوجة أسباب جوهرية تبيح لها التطليق وتعرض المال والمال فقط فهذا في ظني يستحق البحث.

الإيلاء والظهار واللعان :

    وهي في تقديري أسباب تاريخية أنتجها نظام اجتماعي كان سائدا ً في شبه الجزيرة العربية قبل نحو 1400 عام تقريبا ً ولا أعني بهذا أنها اندثرت إلى غير رجعة فإذا تحققت شروط ظهورها فستظهر حتما ً. والإيلاء هو أن يحلف الرجل أن لا يقرب زوجته أربعة أشهر فأكثر بمعنى أن لا يقيم معها علاقة حميمة طوال هذه المدة. والظهار هو أن يشبه الزوج زوجته بمن تحرم عليه على التأبيد مثل أمه أو أخته أو يشبهها بظهرها أو أي عضو منها. وهي تحمل نفس دلالة الإيلاء وهي تحريم أن يقيم معها علاقة حميمة. ففي هذه الحال يمكن للزوجة أن ترفع دعواها أمام المحكمة فتخيره المحكمة بين الفيء (هكذا يسمونها) أو الطلاق. وبلغة اليوم إما أن يتراجع ويقيم علاقة حميمة مع زوجته أو يطلقها ..!!!! 
ويحدد القاضي موعدا ً للزوج لفعلها وتأتي الزوجة في اليوم المحدد فيسألها القاضي : هل فاء زوجها أم لم يفيء ..!!!! فترد إيجابا ً أو سلبا ً . فإن فاء فلله الحمد وإن لم يفعلها تطلق الزوجة. ولا ننسى أن نقول أن الزوج قبل أن يفيء يجب أن يكفر عن أيمانه بالطريقة المخصوصة الموضحة في الآيات بالإطعام أو الصيام. أما الفرق الجوهري بين دعوى التطليق للإيلاء والظهار فالأولى لا تستطيع الزوجة رفعها إلا بعد مضي فترة أربعة أشهر أما الظهار فيجوز رفع دعوى التطليق بسببه بمجرد أن ظاهر الزوج زوجته. 
     أما اللعان كسبب من أسباب التطليق فهو كذلك لا وجود له في مجتمعاتنا اليوم، وهو أن يتهم الزوج زوجته  بالزنا دون بينة، وبلغة اليوم أن يتهمها بممارسة الجنس مع آخر ولا يستطيع إثبات ذلك وفقا ً لطريقة الإثبات المنصوص عليها في الآيات وهي أربعة شهود يرون الحدث. فيتلاعنان بالطريقة التي نصت عليها آيات اللعان المعروفة ويفرق القاضي بينهما إن حلفت الزوجة. ولكن حسب المنظومة القيمية في مجتمعنا فهذا السبب لا مكان له في عالم اليوم. فما يحدث الآن في مثل هذه الحال أن يستل الزوج سكينه في التو والحين أو مسدسه أو طوريته أو أي أداة قاتلة و(يسفِّر الزوجة وشريكها الآخرة) وأحيانا يبرك فيهما خنقا ً بيديه العاريتين حتى يزهق روحيهما وتصبح القضية من اختصاص المحكمة الجنائية وليس الشرعية حيث يواجه الزوج اتهاما ً تحت المادة (130) جنائي القتل العمد. ودائما ً ما يلوح مثل هذا الزوج في أعين الجمهور وبعض القضاة كبطل كامل الدسم ويختال محاميه داخل قاعة المحكمة مستعرضا ً ملكاته الخطابية بينما يكون خصمه، ممثل المدعي العام يشعر بغير قليل من العار والذنب مما قد يؤثر على أدائه.

ونختم بالأمير الشاعر وثورة شكه المدمرة حين يقول :

أكاد ُ أشك ُّ في نفسي لأني     أكاد ُ أشك ُّ فيك ّ وأنت مني
يكذِّب فيك َ كل َّ الناس قلبي   وتسمع فيك كل َّ الناس أذني
وما أنا بالمصدِّق فيـك قولا ً  ولكني شقيـت ُ بحسـن ظني
............................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق